اضغط
هنا لتحميل هذا الكتاب القيم
الباب الثالث: في بيان أن الله خلقنا للسعادة الدائمة |
.الباب الثالث في بيان أن الله خلقنا للسعادة الدائمة ، أعدّها لنا وأعدّنا لها اعلم أن الإنسان خُلق للحياة الدائمة والعيش السرمدي ، وعمر الآخرة لا نهاية له ، وقد جعل الله هذه الدنيا مزرعةً للآخرة ، ورتّب الجزاء في الآخرة على الأعمال في هذه الدنيا ، فكان تأهل العباد لتلك السعادة الأبدية بهذه الأعمال الدنيوية.(1) (1) ان الالتفات الى قِصَر العمر في الحياة الدنيا لمن دواعي اليقظة والحركة للسالك، فان الإنسان بطبيعته يحب نفسه ويحب لها النفع والخلود وان اشتبه في تشخيص مصاديق النافع والضار ، كما هو الواقع خارجا.. وعليه فإن استيعاب قِصَر الحياة ، وان اللامحدود يتحدد سعادةً وشقاءً بهذا العمر المحدود مما يجعل كل آن فيه يقابل اللامحدود ومن المعلوم أن هذه المقابلة الوجدانية – وهي مدعوته بالشرع والنقل – يحول الإنسان على موجود حريص على كل فترة من حياته أضف إلى حرصه لانتقاء أفضل الأعمال التي يملأ بها هذا الوقت القصير الذي سيحدد مصير الأبد في الجحيم أو النعيم!.( المحقق ) ولا ريب أنّ هذه الأعمار القصيرة ، والمدة القليلة ، لو استغرقت بالعبادة بحيث لم يعص الله فيها طرفة عين ، ولم يصرف مقدار نفس من الأنفاس إلا في طاعة الله ، فهي مع ذلك قاصرة وناقصة بالبداهة والضرورة عن الأهلية للمقابلة ، ومقام المعارضة والمجازاة. فلا بدّ بمقتضى الرأفة الإلهية والرحمة الربانيّة ، أن يفتح لهم أبواباً من أبواب كرمه ، يؤهلّهم بها لمقام الجزاء بما لا انقضاء له ولا فناء ، إذ كل نعمه ابتداء ، وكل إحسانه تفضّل. فأول ما تفضّل به عليهم بجوده وكرمه ، أن جعل أعمالهم غير منقطعة بانقطاع آجالهم ، ولا منتهية بانتهاء مددهم ، بحيث جعلها يمكن أن تكون منطبقة على عمر الدنيا ، ومستغرقة لأيام العمل ووجود العاملين ، وذلك بأن جعل من أحكام دينه التي حكم بها ، أنّ من سنّ سنّة هدى فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، كما أنّ من سنّ سنّة ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.مجموعة ورام : 2/236 وكذلك جعل من أحكامه أنّ الوالدين شركاء مع أولادهما فيما يعملون من أعمال الخير ، بمقتضى التسبب والعلية للوجود ، وهذه سلسلة غير منقطعة. وكذلك جعل ثواب بعض الأعمال أن يخلق منها ملائكة يعبدون الله إلى يوم القيامة ، ويكون ثواب عبادتهم لصاحب العمل. وكذلك فتح لهم باب التنزيل ، فنزّل العمل ليلة واحدة بمنزلة العمل في ألف شهر ، بل أخبر الله سبحانه فقال : { ليـلة القدر خير من ألف شهر }. وجعل تفكّر ساعة بمنزلة عبادة ستين سنة[ البحار 327:17 وفيه: سنة].(2)، على ما في بعض الروايات. (2) ورد في المصدر (تفكر ساعة خير من عبادة سنة ) .. وأما عبادة ستين سنة فقد روي بالنسبة لمن مرض يوما بمكة (المستدرك ج 9 / ص 364) ولمن تعلم حديثين اثنين ينفع بهما نفسه أو يعلمهما غيره فينتفع بهما (البحار ج 2 ص 152 ) ولمن عدل ساعة (جامع الاخبار /ص 119 ) ومن مرض ليلة فقبلها بقبولها معنى القبول كما ذكره (ع) : لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد (مشكاة الانوار – ص 281).(المحقق ) وجعل مبيت ليلة عند أمير المؤمنين (ع)، تعدل عبادة سبعمائة سنة. وجعل قضاء حاجة المؤمن يعدل عبادة تسعة آلاف سنة ، صائماً نهارها قائما ليلها(البحار 74: 315). وجعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، قائمة مقام صيام الدهر. كل ذلك تعطفاً منه على عباده المؤمنين ، وتفضلاً ليؤهلهم لأن يوصلوا إلى رتبة استغراق عمر الدنيا بالطاعة ، حتى يكون لهم شوق التأهل بهذه المرتبة النفيسة بجوده وكرمه. ثم ذلك قليل في جنب ما يريد أن يؤهلهم عن استغراق مدة الأمد والسرمد بالعبادة والطاعة له عزّ وجلّ ، فأكمل لهم الامتنان ليتم لهم الأنعام ، بأن فتح لهم باب الجزاء على النية التي هي خير من العمل ، فجعل نيات المؤمنين أن لو خُلّدوا في الدنيا لداموا على طاعتهم لله عزّ وجلّ ، فأثابهم على ذلك ثواب الدائمين على طاعته ، وجعل جزاءهم على هذه النيات الخلود في الجنة. كما أن الكفار بسوء نياتهم ، وأنهم لو داموا لداموا على معصيته ، جعل جزاءهم الخلود في عقابه. فيا أيها الأخ المسترشد !.. اعلم أنّ أعمالك مبنيّة على الدوام لا على الانقطاع ، وإن كنت تراها منقطعة ، ففي بعض الأخبار: أن السعيد من ماتت سيئاته بموته. يعني من سعادته أن لا يُعمل بها بعده ، وإلا فإذا عمل بها اقتداء به واقتداء بمن اقتدى به ، كان عليه وزرها إلى يوم القيامة. فالمعصية والعياذ بالله مقتضاها التسلسل... إلا أن يتعطف الله بمحوها وإزهاقها. فاحذر كل الحذر من المعاصي !.. فقد تؤثر في الأعقاب وفي أعقاب الأعقاب ، وارغب في الطاعات !.. فإنّ ما كان لله ينمو، ومن نموه أن يؤثر بعده إلى آخر الدهر، وفي الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة ، فتيقّظ ولا تكن من الغافلين(3) (3) إن كتب القوم جميعا لا تخلو من هذه الوصية ، فان العاكف على الذنب ولو كان صغيرا لا إستعداد له للسير في هذا السفر الذي يحتاج في اصله ان يكون المسافر فيه مقبولا لدى مولاه .. فان النجاح في هذا الطريق يتوقف على النفحات الإلهية الآخذة بيد العبد ، وهي لا تتأتّى لمن يتعرض لسخط لمولاه صاحب تلك الفنحات ، ومن المعلوم أن الذنب - وان كان صغيرا - إلا أن من الذي أذنبنا بحقه كبير ، بما يجعل المعصية بين يديه سوء أدبٍ عظيم ، يوجب الخجل والوجل بعد الالتفات إليه.. ومن هنا كان ديدن جميع من سلكوا هذا الطريق هو الاستغفار المتواصل لتجديد العهد بالرب الذي ما عرفناه حق معرفته وما عبدناه حق عبادته .. وأما استغفار الأنبياء والأوصياء (ع) فإنما هو لإظهار التذلل والتعظيم ، بالإضافة إلى تبدل حالاتهم في بعض الأحيان من الأعلى إلى العالي ، وهذا كافٍ لأن يوجب لهم طلب الاستغفار دائما.(المحقق) |
اضغط
هنا لتحميل هذا الكتاب القيم
اضغط هنا للرجوع للصفحة الرئيسية لـ "كتاب الطريق إلى الله تعالى"