و معنى ذلك: أنّ ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير والبر ـ وإن كان يسيراً ـ فإن الله تعالى يجعل الجزاء عليه عظيماً كثيراً، واليدان هاهنا عبارتان عن النعمتين، ففرّق(عليه السلام) بين نعمة العبد ونعمة الرب، فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة، لان نعم الله سبحانه أبداً تُضعف(1) على نعم المخلوقين أَضعافاً كثيرة، إذ كانت نعمه تعالى أصل النعم كلها، فكل نعمة إليها تَرجِعُ ومنها تنزع. |
225. وقال(عليه السلام): خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ: الزَّهْوُ(4) وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ، فَإذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً(5) لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِخِيلَةً حَفِظَتْ مَا لَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا، وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ(6) مِنْ كُلِّ شِيْء يَعْرِضُ لَهَا.
____________
1. تُضْعَف ـ مجهول من أضْعَفَهُ ـ: إذا جعله ضِعْفَين.
2. المُبَارَزة: بروز كلٍّ للاخر ليقتتلا.
3. مصروع: مغلوب مطروح.
4. الزَهْو ـ بالفتح ـ: الكِبْر. 5. مَزْهُوّة أي: متكبّرة.
6. فَرِقَتْ ـ كَفَرِحَتْ ـ أي: فَزِعَت.
فقال(عليه السلام): هُوَ الِّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ مَوَاضِعَهُ.
قيل: فصف لنا الجاهل.
قال: قَدْ فَعَلْتُ.
يعني: أنّ الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه، فكأن ترك صفته صفة له، إذ كان بخلاف وصف العاقل. |
228. وقال(عليه السلام): إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاَْحْرَارِ.
229. وقال(عليه السلام): الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا، وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا!
230. وقال(عليه السلام): مَنْ أَطَاعَ التَّوَانِيَ ضَيَّعَ الْحُقُوقَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْوَاشِيَ ضَيَّعَ الصَّدِيقَ.
____________
1. العِرَاق ـ بكسر العين ـ: هو من الحَشَا ما فوق السُرّة مُعْترِضاً البَطن.
2. المَجْذُوم: المُصاب بمرض الجُذام.
و يروى هذا الكلام للنبي صلى الله عليه، ولا عجب أن يشتبه الكلامان، فإنّ مستقاهما من قليب(2)، ومفرغهما من ذَنوب(3). |
233. وقال(عليه السلام): اتَّقِ اللهَ بَعْضَ التُّقَى وَإِنْ قَلَّ، وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ.
234. وقال(عليه السلام): إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ(4) خَفِيَ الصَّوَابُ.
235. وقال(عليه السلام): إِنَّ لله فِي كُلِّ نِعْمَة حَقّاً، فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا، وَمَنْ قَصَّرَ مِنْهُ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ.
236. وقال(عليه السلام): إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ الشَّهْوَةُ.
237. وقال(عليه السلام): احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ(5)، فَمَا كُلُّ شَارِد بِمَرْدُود.
____________
1. الغَصِيب أي: المغصوب.
2. القَلِيب ـ بفتح فكسر ـ: البئر.
3. الذَنُوب ـ بفتح فضم ـ: الدَلْو الكبير.
4. ازدحام الجواب: تشابُه المعاني حتى لا يدري أيها أوفق بالسؤال.
5. نِفَار النِعَم: نفورها بعدم أداء الحق منها فتزول.
239. وقال(عليه السلام): مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ.
240. وقال(عليه السلام): أَفْضَلُ الاَْعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ.
241. وقال(عليه السلام): عَرَفْتُ اللهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ(2)، وَحَلِّ الْعُقُودِ(3).
242. وقال(عليه السلام): مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلاَوَةُ الاْخِرَةِ، وَحَلاَوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الاْخِرَةِ.
243. وقال(عليه السلام): فَرَضَ اللهُ الاِْيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاَةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لاِِخْلاَصِ الْخَلْقِ، وَالْحَجَّ تَقْرِبَةً لِلدِّينِ(4)، وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلاْسْلاَمِ، وَالاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ، وَصِلَةَ الاَْرْحَامِ مَنْماةً(5) لِلْعَدَدِ،
____________
1. الرّحِم ـ هنا ـ: كناية عن القرابة، والمراد أن الكريم ينعطف للاحسان بكرمه أكثر مما ينعطف القريب بقرابته.
2. العَزَائم: جمع عزيمة، وهي ما يصمم الانسان على فعله. وفسخ العزائم: نقضها.
3. العُقُود: جمع عَقْد، بمعنى النية تنعقد على فعل أمر.
4. تَقْرِبَةً أي: سبباً لتقرّب أهل الدين بعضهم من بعض، إذ يجتمعون من جميع الاقطار في مقام واحد لغرض واحد.
وفي بعض النسخ: تقويةً للدين.
5. مَنْماة: إكثار وتنمية.
244. وكان(عليه السلام) يقول: أَحْلِفُوا الظَّالِمَ. إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ. بِأَنَّهُ بَرِىءٌ مِنْ حَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ الْعُقُوبَةَ، وَإِذَا حَلَفَ بِاللهِ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ، لاَِنَّهُ قَدْ وَحَّدَهُ سُبْحَانَهُ.
245. وقال(عليه السلام): يَابْنَ آدَمَ، كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ، وَاعْمَلْ فِي مَالِكَ مَا تُؤْثِرُ(5)أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ.
____________
1. الشهادات: هي ما يدلي به الشهداء على حقوق الناس.
2. استظهاراً: إسناداً وتقويةً.
3. المُجاحَدَات: جمع مُجَاحَدة، وهي الانكار والجحود.
4. في أكثر النسخ المطبوعة: «والامانة»، وما أثبتناه هو الموافق للنسخ الخطية، ولكن الايدي غير الامينة تلاعبت بالنصّ وغيرت كلمة الامامة بالامانة، لاغراض لا تخفى [المصحّح].
5. تُؤثِرُ أي: تحب.
247. وقال(عليه السلام): صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ.
248. وقال(عليه السلام) لِكُمَيْل بن زياد النخعي: يَا كُمَيْلُ، مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا(1)في كَسْبِ الْمَكَارِمِ، وَيُدْلِجُوا(2) فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نائِمٌ، فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الاَْصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَد أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلاَّ وَخَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ(3) جَرَى إلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الاِْبلِ.
249. وقال(عليه السلام): إِذَا أَمْلَقْتُمْ(4) فَتَاجرُِوا اللهَ بِالصَّدَقَةِ.
250. وقال(عليه السلام): الْوَفَاءُ لاَِهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللهِ، وَالْغَدْرُ بَأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللهِ.
251. وقال(عليه السلام): كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَج بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِ، وَمَغْرُور بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ،مَا ابْتَلَى اللهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الاِْمْلاَءِ لَهُ.
و قد مَضى هذا الكلام فيما تقدم، إلاّ أن فيه هاهنا زيادة مفيدة. |
____________
1. الرَوَاح: السير من بعد الظهر. 2. الادْلاج: السير من أول الليل.
3. نائبة: مصيبة.
4. أمْلقتم: افتقرتم.
فصل
نذكر فيه شيئاً من اختيار غريب كلامه المحتاج إلى التفسير
1. في حديثه(عليه السلام): فَإِذَا كَانَ ذلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِهِ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ.
يعسوب الدين: السيد العظيم المالك لامور الناس يومئذ، والقزع: قطع الغيم التي لا ماء فيها. |
يريد: الماهر بالخطبة الماضي فيها، وكل ماض في كلام أو سير فهو شحشح، والشحشح في غير هذاالموضع: البخيل الممسك. |
يريد بالقحم المهالك، لانها تُقِحمُ أصحابَها في المهالك والمتالف في الاكثر، ومن ذلك قُحْمَةُ الاعراب،هو أن تصيبهم السَّنةُ فتتعرّق أموالهم(1)، فذلك تقحّمها فيهم. و قيل فيه وجهٌ آخر: وهو أنها تُقْحِمُهُمْ بلادَ الريف، أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند مُحول البَدْوِ. |
والنص: منتهى الاشياء ومبلغ أقصاها كالنص في السير، لانه أقصى ما تقدر عليه الدابة، وتقول: نصصت الرجل عن الامر، إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه، فنص الحقائق يريد به الادراك، لانه منتهى الصغر،. |
____________
1. تَتَعَرّق أموالهم، من قولهم تَعَرّقَ فلان العظمَ: أي أكل جميع ما عليه من اللحم.
2. في بعض النسخ: «إذا بلغ النساء نصّ الحقائق فالعصبة أولى، ويُروى: نصّ الحقاق».
يقول: فاذا بلغ النساء ذلك فالعَصَبَةُ أولى بالمرأة من أمها، إذا كانوا مَحْرَماً، مثل الاخوة والاعمام،بتزويجها إن أَرادوا ذلك.
والحِقاق: مُحاقّةُ الام للعصبةِ في المرأة، وهو الجدال والخصومة، وقول كلّ واحد منهما للاخر: أنا أحق منك بهذا، ويقال منه: حاققته حقاقاً، مثل جادلته جدالاً.
و قد قيل: إن نصّ الحقاق بلوغ العقل، وهو الادراك، لانه(عليه السلام) إنما أراد منتهى الامر الذي تجب فيه الحقوق والاحكام، ومَن رواه: «نص الحقائق» فإنماأراد جَمْعَ حَقيقة.
هذا معنى ما ذكره أبو عُبيد القاسم بن سلام.
والذي عندي: أن المراد بنص الحِقاق ها هنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها وتصرّفها في حقوقها، تشبيهاً بالِحقاق من الابل، وهي جمع حِقّة وحِقّ، وهو الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة، وعند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يُتمكّن فيه من ركوب ظهره، وَنَصِّهِ في السير، والحقائقُ أيضاً: جمع حِقّة.
فالروايتان جميعاً ترجعان إلى معنىً واحد، وهذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولاً. 5. وفي حديثه(عليه السلام): إنَّ الاِْيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ، كُلَّمَا ازْدَاد الاْيمَانُ ازْدَادَتِ الُّلمْظَةُ.
الُّلمْظَةُ مثل النكتة أو نحوها من البياض، ومنه قيل فرس ألمظ: إذا كان بجحفلته(1) شيء من البياض. |
____________
1. الجَحْفَلَة ـ بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة ـ: للخيل والبغال والحمير بمنزلة الشَفَة للانسان.
فالظَّنُونُ: الذي لايَعْلَمُ صاحبُهُ أيقبضُه من الذي هو عليه أم لا، فكأنّه الذي يُظَنُّ به، فمرة يرجوه مرة لا يرجوه. و هو من أفصح الكلام، وكذلك كلّ أمر تطلبه ولا تدري على أي شيء أنت منه فهو ظَنون، وعلى ذلك قول الاعشى:
مِثْلَ الْفُرَاتِيِّ إِذَا مَا طَمَا * يَقْذِفُ بِالْبُوصِيِّ وَالْمَاهِرِ |
و معناه: اصدِفوا عن ذكر النساء وشُغُلِ القلب بهن، وامتنعُوا من المقاربة لهنّ، لان ذلك يَفُتُّ(2) في عضُد الحميّة، ويقدح في معاقد العزيمة(3)، ويكسِر عن(4) العَدْوِ(5)، وَيلفِتُ عن الابعاد في الغزو، وكلُّ من امتنع من شيء فقد أعْذَبَ عنه، والعاذبُ والعَذُوب: الممتنع من الاكل والشرب. |
____________
1. اعْذِبُوا أي: أَعرضوا واتركوا.
2. الفَتّ: الدق والكَسر، وفَتّ في ساعده ـ من باب نصر ـ أي: أضعفه كأنه كسره.
3. مَعَاقِدُ العزيمة: مواضع انعقادها وهي القلوب، وقدح فيها: بمعنى خرقها كناية عن أوْهَنَها.
4. يكسر عنه: يؤخّر عنه. 5. العَدْو ـ بفتح فسكون ـ: الجَرْي.
الياسرون(1): هم الذين يتضاربون بالقِداح(2) على الجَزُورِ(3)، والفالجُ: القاهرُ الغالبُ، يقال: قد فلج(4) عليهم وفَلَجَهُم، وقال الراجز: لمّا رأيتُ فالجاً قد فَلَجَا |
ومعنى ذلك: أنه إذا عَظُم الخوفُ من العدو واشتد عِضَاضُ الحربِ(5)، فَزِعَ المسلمون(6) إلى قتال رسول الله(صلى الله عليه وآله) بنفسه، فيُنزِلُ الله تعالى النصر عليهم، ويأمنون ما كانوا يخافونه بمكانه. و قوله (عليه السلام): «إذَا احمّر البأس» كناية عن اشتداد الامر، وقد قيل في ذلك أقوال ____________ 1. الياسِرُون: اللاعِبون بالميْسِر، وهو القمار. 2. يتضاربون بالقِداح: أي يقامرون بالسهام على النصيب من الناقة. 3. الجَزُور ـ بفتح الجيم ـ: الناقة المجزورة، أي المنحورة. 4. فَلَجَ ـ من باب ضرب و نصر ـ: فاز و انتصر. 5. العِضاض ـ بكسر العين ـ: أصله عضّ الفرس، مجاز عن إهلاكها للمتحاربين. 6. فَزِع المسلمون: لجأوا إلى طلب رسول الله ليقاتل بنفسه. |
____________
1. الحَمْيُ ـ بفتح فسكون ـ: مصدر حَمِيَت النار: اشتدّ حرّها.
2. مُجْتَلَد ـ مصدر ميمي من الاجتلاد ـ أي: الاقتتال.
3. اسْتَحرّ: اشتدّ، والجِلاد: القتال.
فقال(عليه السلام): وَاللهِ مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ، فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ؟ إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُوا حَيْفَ رُعَاتِهَا، وَإِنَّنِي الْيَوْمَ لاََشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي، كَأَنَّنِيَ الْمَقُودُ(2) وَهُمُ الْقَادَةُ، أَوِ ألْمَوْزُوعُ وَهُمُ الْوَزَعَةُ(3)!
فلما قال(عليه السلام) هذا القول، في كلام طويل قد ذكرنا مختارَه في جملةِ الخُطَب، تقدّم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما: إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي، فَمُرْنا بأمرك يا أميرالمؤمنين نُنْفِد له.
فقال(عليه السلام): وأَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُريدُ(4)؟
253. وقيل: إنّ الحارث بن حَوْط أتاه(عليه السلام) فقال: أتُراني(5) أظنّ أصحابَ الجمل كانوا على ضلالة؟
____________
1. النُخَيْلَة ـ بضم ففتح ـ: موضع بالعراق اقتتل فيه الامام مع الخوارج بعد صفّين.
2. المَقوُد: اسم مفعول، والقادة: جمع قائد.
3. الوَزَعَة ـ محرّكة ـ: جمع وازع بمعنى الحاكم، والمَوْزُوع: المحكوم.
4. أين تَقَعَانِ مما أُريد أي: أين أنتما وما هي منزلتكما من الامر الذي أريده وهو يحتاج إلى قوة عظيمة؟ فلا موقع لكما منه.
5. أتُراني ـ بضم التاء، مبني للمجهول ـ أي: أتظنني.
تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَبَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ.
فقال الحارث: فإنّي أَعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فقال(عليه السلام): إِنَّ سَعِيداً وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ، وَلَمْ يَخْذُلاَ الْبَاطِلَ.
254. وقال(عليه السلام): صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الاَْسَدِ: يُغْبَطُ(2) بِمَوْقِعِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ.
255. وقال(عليه السلام): أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ(3).
256. وقال(عليه السلام): إِنَّ كَلاَمَ الْحُكَمَاءِ إذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً، وَإِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً.
257. وسأَله (عليه السلام) رجل أَن يعرّفه ما الايمان.
____________
1. حِرْت: من حار أي تحير. وفي بعض النسخ: فَجُرْتَ. 2. يُغْبَط ـ مبني للمجهول ـ أي: يغبطه الناس ويتمنون منزلته لعزّته.
3. أحْسِنُوا في عَقِب غيركم... أي: كونوا رحماء بأبناء غيركم يرحم غيركم أبناءكم، فالعقب هنا يُراد به النسل والابناء.
وقد ذكرنا ما أجابه به(عليه السلام) فيما تقدم من هذا الباب، وهو قوله: الايمان على أربع شعب.
258. وقال(عليه السلام): يَابْنَ آدَمَ، لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ.
259. وقال(عليه السلام): أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً(2) مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا.
260. وقال(عليه السلام): النَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَامِلاَنِ:
عَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا، قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ، يَخْشَى عَلَى مَنْ يَخْلُفُهُ الْفَقْرَ، وَيأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُفْنِي عُمُرَهُ فِي مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ.
وَعَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، فَجَاءَهُ الَّذِي لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَمَل، فَأَحْرَزَ الْحَظَّيْنِ مَعاً، وَمَلَكَ الدَّارَيْنِ جَمِيعاً، فَأَصْبَحَ وَجِيهاً(3) عِنْدَاللهِ، لاَ يَسْأَلُ اللهَ حَاجَةً فَيَمْنَعَهُ.
____________
1. نَقَفَهُ: ضربه.
وفي بعض النسخ: يَثْقَفُها.
2. الهَوْن ـ بالفتح ـ: الحقير، والمراد منه ـ هنا ـ الخفيف لا مبالغة فيه.
3. وَجِيهاً: أي ذا منزلة عَلِيّة من القرب إليه سبحانه.
فهمّ عمر بذلك، وسأل عنه أميرالمؤمنين(عليه السلام).
فقال: إِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله) وَالاَْمْوَالُ أَرْبَعَةٌ: أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْفَرَائِضِ، وَالْفَيْءُ فَقَسَّمَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ، وَالْخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللهُ حَيْثُ وَضَعَهُ، وَالصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللهُ حَيْثُ جَعَلَهَا. وَكَانَ حَلْيُ الْكَعْبَةِ فِيهَا يَوْمَئِذ، فَتَرَكَهُ اللهُ عَلَى حَالِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ نِسْيَاناً، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ(1) مَكَاناً، فَأَقِرَّهُ حَيْثُ أَقَرَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ.
فقال له عمر: لولاك لافتضحنا. وترك الحَلْي بحاله.
262. وروي أنه(عليه السلام) رُفع إليه رجلان سرقا من مال الله، أحدهما عبد من مال الله، والاخر من عُرُوضِ(2) الناس.
فقال(عليه السلام): أَمَّا هذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اللهِ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، مَالُ اللهِ أَكَلَ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَأَمَّا الاْخَرُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فقطع يده.
____________
1. لم يَخْفَ عليه: لم يَغِبْ عنه.
2. عُروُضهم: جمع عَرْض ـ بفتح فسكون ـ وهو المتاع غير الذهب والفضة.
264. وقال(عليه السلام): اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ ـ وَإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ طِلْبَتُهُ، وَقَوِيَتْ مَكِيْدَتُهُ ـ أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ(2)، وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُّمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَالْعَارِفُ لِهذَا الْعَامِلُ بِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَة، وَالتَّارِكُ لَهُ الشَّاكُّ فِيهِ أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلاً فِي مَضَرَّة. وَرُبَّ مُنْعَم عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ(3) بِالنُّعْمَى، وَرُبَّ مُبْتَلىً(4) مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى ! فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ فِي شُكْرِكَ، وَقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَقِفْ عِنْدَ مُنتَهَى رِزْقِكَ.
265. وقال(عليه السلام): لاَ تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلاً، وَيَقِينَكُمْ شَكّاً، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا، وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا.
____________
1. المَدَاحِض: المَزَالِقُ، يريد بها الفتن التي ثارت عليه.
2. الذكر الحكيم: القرآن.
3. المستدرج: الذي يُمْهلهُ الله ويمدّ له في النعمة مدّاً.
4. المُبْتَلى: المُمْتَحَن بالبلايا.
267. وقال(عليه السلام): اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تَحْسُنَ فِي لاَمِعَةِ الْعُيُونِ عَلاَنِيَتِي، وَتَقْبُحَ فِيَما أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتيِ، مُحَافِظاً عَلَى رِيَاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي، فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي، وَأُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي، تَقَرُّباً إلَى عِبَادِكَ، وَتَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ.
268. وقال(عليه السلام): لاَ وَالَّذِي أَمْسَيْنَا مِنْهُ فِي غُبْرِ لَيْلَة(3) دَهْمَاءَ(4)، تَكْشِرُ(5)عَنْ يَوْم أَغَرَّ(6)، مَا كَان كَذَاكَذا.
____________
1. مُورِدٌ غير مُصْدِر أي: من ورده هلك فيه، ولم يصدر عنه.
2. شَرِقَ ـ كتعب ـ أي: غصّ.
3. غُبْر الليلة ـ بضم الغين وسكون الباء ـ: بقيّتها.
4. الدَهْماء: السوداء.
5. كَشّرَ عن أسنانه ـ كضرب ـ: أَبداها في الضحك ونحوه.
6. الاغَرّ: أبيض الوجه.
270. وقال(عليه السلام): إذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بالْفَرَائِضِ فَارْفُضُ 0 وهَا.
271. وقال(عليه السلام): مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ.
272. وقال(عليه السلام): لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ(2) كَالْـمُعَايَنَةِ مَعَ الاِْبْصَارِ، فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا، وَلاَ يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ.
273. وقال(عليه السلام): بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَوْعِظَةِ حِجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ(3).
274. وقال(عليه السلام): جَاهِلُكُمْ مُزْدَادٌ(4)، وَعَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ(5).
275. وقال(عليه السلام): قَطَعَ الْعِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلِّلِينَ.
276. وقال(عليه السلام): كُلُّ مُعَاجَل يَسْأَلُ الاِْنْظَارَ(6)، وَكُلُّ مُؤَجَّل(7) يَتَعَلَّلُ بالتَّسْويفِ(8).
____________
1. مَمْلُول: يُسْأم منه ويُتَضَجّر.
2. الرَوِيّة ـ بفتح فكسر فتشديد ـ: إعمال العقل في طلب الصواب.
3. الغِرّة ـ بالكسر ـ: الغفلة.
4. جاهِلُكم يزداد أي: يغالي ويزداد في العمل على غير بصيرة.
5. عالِمُكُم يُسَوّف بعمله: أي يؤخِّره عن أوقاته.
6. الانظار أي: التأخير.
7. مُؤجّل: قد أجّلَ الله عمره.
8. يراد هنا بالتسويف تأخير الاجَل والفُسْحَة في مدّته.
278. وسئل عن القدر، فقال: طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلاَ تَسْلُكُوهُ، وَبَحْرٌعَمِيقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ، وَسِرُّ اللهِ فَلاَ تَتَكَلَّفُوهُ.
279. وقال(عليه السلام): إِذَا أَرْذَلَ(1) اللهُ عَبْداً حَظَرَ(2) عَلَيْهِ الْعِلْمَ.
280. وقال(عليه السلام): كَانَ لِي فيَِما مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ وَلاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ(3) الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ(4) السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً! فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ
____________
1. أرْذله: جعله رذيلاً.
2. حَظَرَه عليه أي: حرمه منه.
3. بَذّهُم: أي سبقهم وغلبهم.
4. نَقَعَ الغليلَ: أزال العطشَ.
فَعَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْخَلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ.
281. وقال(عليه السلام): لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ(5) اللهُ عَلَى مَعْصِيَة لَكَانَ يَجِبُ أَنْ لاَ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ.
282. وقال(عليه السلام)، وقد عزّى الاشعثَ بن قيس عن ابن له: يَا أَشْعَثُ، إِنْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ ذلِكَ مِنْكَ الرَّحِمُ، وَإِنْ تَصْبِرْ فَفِي اللهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَة خَلَفٌ.
____________
1. الليث: الاسد. والغاب: جمع غابة، وهي الشجر الكثير الملتفّ يَسْتَوْكرُِ فيه الاسد. 2. الصِلّ ـ بالكسر ـ: الحيّة.
3. أدْلى بحجّته: أحضرها.
4. بَدَهَهُ الامرُ: فَجَأهُ وَبَغَتَهُ.
5. التَوَعّد: الوعيد، أي: لو لم يُوعِدْ على معصيته بالعقاب.
ابْنُكَ سَرَّكَ وَهُوَ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ، وَحَزَنَكَ(2) وَهُوَ ثَوَابٌ وَرَحْمَةٌ.
283. وقال(عليه السلام) على قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ساعة دُفِنَ: إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلاَّ عَنْكَ، وَإِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلاَّ عَلَيْكَ، وَإِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ، وَإِنَّهُ قَبْلَكَ وَبَعْدَكَ لَجَلَلٌ(3).
284. وقال(عليه السلام): لاَ تَصْحَبِ الْمَائِقَ(4) فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ، وَيَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ.
285. وقال(عليه السلام) وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب: مَسِيرَةُ يَوْم لِلشَّمْسِ.
286. وقال(عليه السلام): أَصْدِقَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ، وَأَعْدَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ:
____________
1. مأزُور: مُقْترِف للوِزْر، وهو الذنب.
2. حَزَنَكَ: أكسَبَكَ الحزنَ.
3. الجَلَل ـ بالتحريك ـ: الهين الصغير، وقد يطلق على العظيم، وليس مراداً هنا.
4. المائِق: الاحمق.
وَأَعْدَاؤكَ: عَدُوُّكَ، وَعَدُوُّ صَدِيقِكَ، وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ.
287. وقال(عليه السلام)لرجل رآه يسعى على عدوّ له بما فيه إِضرار بنفسه: إنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ(1).
288. وقال(عليه السلام): مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الاِْعْتِبَارَ!
289. وقال(عليه السلام): مَن بَالَغَ فِي الْخُصوُمَةِ أَثِمَ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ مَنْ خَاصَمَ.
290. وقال(عليه السلام): مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ [وَأسْأَلَ اللهَ الْعَافِيَة].
291. وسئل(عليه السلام): كيف يحاسب الله الخلق على كَثْرتهم؟
فقال(عليه السلام): كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ.
فَقيل: كيف يُحاسِبُهُم ولا يَرَوْنَهُ؟
قال(عليه السلام): كَمَا يَرْزُقُهُمْ وَلاَ يَرَوْنَهُ.
292. وقال(عليه السلام): رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ، وَكِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ!
293. وقال(عليه السلام): مَا الْمُبْتَلَى الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلاَءُ، بِأَحْوَجَ إِلَى الدُّعَاءِ مِنَ المُعَافَى الَّذِي لاَ يَأمَنُ البَلاَءَ!
____________
1. الرِدْف ـ بالكسر ـ: الراكب خلف الراكب.
295. وقال(عليه السلام): إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اللهَ، وَمَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اللهَ.
296. وقال(عليه السلام): مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ.
297. وقال(عليه السلام): كَفَى بِالاَجَلِ حَارِساً!
298. وقال(عليه السلام): يَنَامُ الرَّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ(1)، وَلاَ يَنَامُ عَلَى الْحَرَبِ(2).
ومعنى ذلك: أنه يصبر على قتل الاولاد، ولا يصبر على سلب الاموال. |
300. وقال(عليه السلام): اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
301. وقال(عليه السلام): لاَ يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْد، حَتّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللهِ سُبْحَانَهُ أَوْثَقَ مِنهُ بِمَا فِي يَدِهِ.
302. وقال(عليه السلام) لانس بن مالك، وقد كان بعثه إلى طلحةَ والزبيرِ لما
____________
1. الثُكلْ ـ بالضم ـ: فَقْد الاولاد.
2. الحَرَب ـ بالتحريك ـ: سَلْب المال.
فَقال(عليه السلام): إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللهُ بِهَا بَيْضَاءَ لاَمِعَةً لاَ تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ.
يعني البرص، فأصاب أَنَساً هذا الداء فيما بعدُ في وجهه، فكان لا يُرى إلاّ مُبَرقعاً. |
304. وقال(عليه السلام): وَفِي الْقرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ(3).
305. وقال(عليه السلام): رُدُّوا الْحَجَرَ(4) مِنْ حَيْثُ جَاءَ، فَإِنَّ الشَّرَّ لاَ يَدْفَعُهُ إِلاَّ الشَّرُّ.
____________
1. وفي بعض النسخ: جاء.
2. إقْبَال القلوب: رغبتها في العمل، وإدبارها: مَلَلها منه.
3. نَبَأ ما قَبْلَنا: أي خبرهم في قصص القرآن. ونَبأ مابعدنا: الخبر عن مصير أمورهم، وهو يعلم من سنّة الله فيمن قبلنا. وحُكْمُ ما بيننا: في الاحكام التي نُصّ عليها.
4. ردّ الحجر: كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه، وهذا إذا لم يمكن دفعه بالاحسن.
307. وقال(عليه السلام): أَنا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ.
ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني، والفجار يتبعون المال، كما تتبع النحل يعسوبها، وهو رئيسها. |
فقال(عليه السلام) له: إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ، وَلكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ: (اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
309. وقيل له: بأيّ شيء غلبتَ الاَقران؟
فقال(عليه السلام): مَا لَقِيتُ رَجُلاً إِلاَّ أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ.
يومىء(عليه السلام) بذلك إلى تمكّن هيبته في القلوب. |
____________
1. ألِقْ دَوَاتك: ضع اللِيقة فيها.
2. جِلْفة القلم ـ بكسر الجيم ـ: ما بين مَبراه وسنته.
3. القَرْمطة بين الحروف: المقاربة بينها وتضييق فواصلها.
4. مَنْقَصة: نقص وعيب.
312. وقال(عليه السلام) لعبدالله بن العباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وأَرَى، فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي.
313. وروي أنه(عليه السلام)لما ورد الكوفة قادماً من صفين مرّ بالشّباميين(2)، فسمع بكاء النساء على قتلى صفين، وخرج إليه حرب بن شُرَحْبِيل الشّبامي، وكان من وجوه قومه.
فقال(عليه السلام): أَتَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أسْمَعُ؟ أَلاَ تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هذَا الرَّنِينِ(3)؟
و أقبل يمشي معه، وهو(عليه السلام) راكب.
____________
1. مُعْضِلَة: أُحْجِيَة بقصد المُعَايَاة.
2. شِبَام ـ ككتاب ـ: اسم حي.
3. الرَنِين: صوت البكاء.
314. وقال(عليه السلام) وقد مرّ بقتلى الخوارج يوم النَّهْرَوَان: بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ.
فقيل له: مَن غرّهم يا أميرالمؤمنين؟
فقال: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَالاَْنْفُسُ الاَْمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بالاَْمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ فِي المَعَاصِيِ، وَعَدَتْهُمُ الاِْظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ.
315. وقال(عليه السلام): اتَّقُوا مَعَاصِيَ اللهِ فِي الْخَلَوَاتِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُ.
316. وقال(عليه السلام)، لمّا بلغه قتل محمد بن أبي بكر: إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ نَقَصُوا بَغِيضاً، وَنَقَصْنَا حَبِيباً.
317. وقال(عليه السلام): الْعُمْرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً.
318. وقال(عليه السلام): مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الاِْثْمُ بِهِ، وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ.
319. وقال(عليه السلام): إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الاَْغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ.
320. وقال(عليه السلام): الاْسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِ.
321. وقال(عليه السلام): أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ تَسْتَعيِنُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
____________
1. مَذَلّة أي: مُوجبة للذلّ.
323. وقال(عليه السلام): السُّلْطَانُ وَزَعَةُ(3) اللهِ فِي أَرْضِهِ.
324. وقال(عليه السلام) في صفة المؤمن: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ(4) فِي وَجْهِهِ، وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْء صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْء نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مشْغولٌ وَقْتُهُ، شَكُورٌ صَبُورٌ، مغْمُورٌ(5) بِفِكْرَتِهِ، ضَنِينٌ(6) بِخَلَّتِهِ(7)، سَهْلُ الْخَلِيقَةِ(8)، لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ(9)! نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ(10)، وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.
____________
1. الاكياس ـ جمع كَيِّس ـ: وهم العقلاء.
2. العَجَزَة ـ جمع عاجز ـ: وهم المقصرون في أَعمالهم لغلبة شهواتهم على عقولهم.
3. الوَزَعة ـ بالتحريك ـ: جمع وازع، وهو الحاكم يمنع من مخالفة الشريعة.
4. البِشْر ـ بالكسر ـ: البَشاشة والطلاقة.
5. مَغْمُور: أي غريق في فكرته لاداء الواجب عليه لنفسه وملّته. 6. ضَنِين: بخيل.
7. الخلّة ـ بالفتح ـ: الحاجة.
8. الخَلِيقة: الطبيعة.
9. العَرِيكَة: النفس. 10. الصَلْد: الحجر الصُلْب.
326. وقال(عليه السلام): لِكِّ امْرِىء فِي مَالِهِ شَريِكَانِ: الْوَارِثُ، وَالْحَوَادِثُ.
[327. وقال(عليه السلام): الْمَسْؤُولُ حُرُّ حَتَّى يَعِدَ].
328. وقال(عليه السلام): الدَّاعِي بِلاَ عَمَل كَالرَّامِي بِلاَ وَتَر.
329. وقال(عليه السلام): الْعِلْمُ عِلْمَانِ: مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ(2)، وَلاَ يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ.
330. وقال(عليه السلام): صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ: يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا(3)، وَيَذْهَبُ بِذَهَابِهَا.
331. وقال(عليه السلام): الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، وَالشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
____________
1. وفي بعض النسخ: ومصيره.
2. مَطْبوع العلم: ما رسخ في النفس وظهر أثره في أَعمالها، ومسموعه: منقوله ومحفوظه، والاول هو العلم حقاً.
3. إقْبَال الدولة: كناية عن سلامتها وعلوّها، كأنها مقبلة على صاحبها تطلبه للاخذ بزمامها، وإن لم يطلبها.
[333. وقال(عليه السلام): الْغِنَى الاَْكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِى النَّاسِ].
334. وقال(عليه السلام): الاَْقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ، وَالْسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ(1)، وَ(كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وَالنَّاسُ مَنْقوُصُونَ(2) مَدْخُولُونَ(3) إِلاَّ مَنْ عَصَمَ الله، سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ، وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ، يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَى وَالسُّخْطُ، وَيَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً(4) تَنْكَؤُهُ(5) اللَّحْظَةُ(6)، وَتَسْتَحِيلُهُ(7) الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ.
____________
1. السَرَائِر مَبْلُوّة: بلاها الله واختبرها وعلمها.
2. المَنقُوص: المأخوذ عن رُشْدِهِ وكماله.
3. المَدْخُول: المغشوش، مُصاب بالدَخَل ـ بالتحريك ـ وهو مرض العقل والقلب.
4. أصْلَبُهُم عُوداً: المراد أشدّهم تمسكاً بدينه.
5. تَنْكَؤه: تُسِيل دمه وتجرحه.
6. اللحظة: النظرة إلى مشتهى.
7. تَسْتَحِيله: تحوّ له عما هو عليه.
335. وقال(عليه السلام): مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي.
336. وقال(عليه السلام): مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ، فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ.
337. وقال(عليه السلام): الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الاْسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ(1)، وَالتَّقْصِيرُ عَنِ الاِْسْتِحْقَاقِ عِيٌّ(2) أَوْ حَسَدٌ.
338. وقال(عليه السلام): أَشدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ.
339. وقال(عليه السلام): مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ، وَمَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنْ كَابَدَ الاَْمُورَ(3) عَطِبَ(4)، وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ
____________
1. مَلَق ـ بالتحريك ـ: تَمَلّق.
2. العِيّ ـ بالكسر ـ: العجز.
3. كابَدَها: قاساها بلا إعداد أسبابها، فكأنه يحاذيها وتطارده.
4. عَطِبَ: انكسر، والمراد خَسِرَ.
340. وقال(عليه السلام): لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلاَثُ عَلاَمَات: يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، َ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ(1)،يُظَاهِرُ(2) الْقَوْمَ الظَّلَمَة(3).
341. وقال(عليه السلام): عِنْدَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تَكُونُ الْفَرْجَةُ، وَعِنْدَ تَضَايُقِ حَلَقِ الْبَلاَءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ.
342. وقال(عليه السلام) لبعض أصحابه: لاَ تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ: فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَوَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ، وَإِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اللهِ، فَمَا هَمُّكَ وَشُغُلُكَ بأَعْدَاءِ اللهِ؟!
343. وقال(عليه السلام): أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ.
____________
1. الغَلَبة: القَهْر.
2. يُظاهر أي: يُعَاوِن.
3. الظَلَمَة: جمع ظالم.
فقال(عليه السلام): لاَ تَقُلْ ذلِكَ، وَلكِنْ قُلْ: شَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ.
345. وبنى رجل من عمّاله بناءً فخماً(1)، فقال(عليه السلام): أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ(2) رُؤُوسَهَا! إِنَّ الْبِنَاءَ لَيَصِفُ عَنْكَ الْغِنَى.
346. وقيل له (عليه السلام): لو سُدَّ على رجل بَابُ بيته، وتُرِكَ فيه، من أَين كان يأتيه رزقُه؟
فقال(عليه السلام): مِنْ حَيْثُ كَانَ يَأْتِيهِ أَجَلُهُ.
347. وعَزّى(عليه السلام) قوماً عن ميّت فقال: إِنَّ هذَا الاَْمْرَ(3) لَيْسَ بِكُمْ بَدَأَ، وَلاَ إِلَيْكُمُ انْتَهَى، وَقَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هذَا يُسَافِرُ، فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَإِلاَّ قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ.
____________
1. فخماً أي: عظيماً ضخماً.
2. الوَرِق ـ بفتح فكسر ـ: الفِضَّة، أي ظهرت الفضة، فأطلعت رؤوسها كناية عن الظهور، ووضح هذا بقوله: إن البناء يصف لك الغنى، أي يدل عليه.
3. هذا الامر: أي الموت، لم يكن تناوله لصاحبكم أول فعل له ولا آخر فعل له، بل سبقه ميتون وسيكون بعده، وقد كان ميتكم هذا يسافر لبعض حاجاته فاحسبوه مسافراً،إذا طال زمن سفره فإنكم ستتلاقون معه وتقدمون عليه عند موتكم.