105. وقال(عليه السلام): لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ(1)، وَلاَ يُضَارِعُ(2)، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ(3).
106. وقال(عليه السلام) وقد توفي سهل بن حُنَيْف الانصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان من أحبّ الناس إليه:
لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ(4).
معنى ذلك: أنّ المحنة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلاَّ بالاتقياء الابرار والمصطفين الاخيار، وهذا مثل قوله (عليه السلام): |
وقد تُؤُوّل ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره. |
____________
1. لايُصانع أي: لا يداري في الحق.
2. المُضارعَة: المشابهة، والمعنى أنه لا يتشبه في عمله بالمبطلين.
3. اتباع المطامع: الميل معها وإن ضاع الحق.
4. تَهَافت: تَساقَطَ بعد ما تصدّعَ.
5. أعْوَدُ: أَنْفَع.
6. العُجْب ـ بضم العين ـ: الاعجاب بالنفس.
109. وقال(عليه السلام): إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلاَحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُل لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خزْيَةٌ(1) فَقَدْ ظَلَمَ! وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُل فَقَدْ غَرَّرَ(2)!
110. وقيل له (عليه السلام): كيف نجدك يا أميرالمؤمنين؟
فقال: كَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَفْنَى بِبِقَائِهِ(3)، وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ(4)، وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ(5)!
____________
1. الخزية: البلية تصيب الانسان فتذلّه وتفضحه.
2. غَرّرَ أي: أوْقَعَ بنفسه في الغَرَر وهو الخطر.
3. يفني ببقائه: كلما طال عمره ـ وهو البقاء ـ تقدم إلى الفناء.
4. يَسْقَمُ بصحّته أي: كلما مدّت عليه الصحة تقرب من مرض الهَرَم، وسَقِم ـ كفرح ـ: مَرِض.
5. يأتيه الموت من مأمنه أي: الجهة التي يأمن إتيانه منها، فان أسبابه كامنة في نفس البدن.
112. وقال(عليه السلام): هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال(4) وَمُبْغِضٌ قَال(5).
113. وقال(عليه السلام): إضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.
114. وقال(عليه السلام): مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ: لَيِّنٌ مَسُّهَا، وَالسُّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ، وَيَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ!
115. وقال(عليه السلام) وقد سئل عن قريش: أَمَّا بَنُو مَخْزُوم فَرَيْحَانَةُ قُرَيْش، نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ، وَالنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ.
وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمس فَأَبْعَدُهَا رَأْياً، وَأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا.
وَأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا، وَأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا.
وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكَرُ وَأَنْكَرُ، وَنَحْنُ أَفْصَحُ وَأَنْصَحُ وَأَصْبَحُ.
____________
1. المُسْتَدْرَج: هوالذي تابع الله نعمته عليه وهو مقيم على عصيانه، إبلاغاً للحجة وإقامة للمعذرة في أخذه.
2. ابْتَلى: امتحن.
3. الاملاء له: الامهال.
4. الغالي: المتجاوز الحد في حبه بسبب غيره، أو دعوى حلول اللاهوت فيه، أو نحو ذلك.
5. القالي: المبغض الشديد البغض.
117. وتبع جنازة فسمع رجلاً يَضحك، فقال(عليه السلام): كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الاَْمْوَاتِ سَفْرٌ(1) عَمَّا قَلِيل إِلَيْنَا رَاجِعُونَ! نُبَوِّئُهُمْ(2) أَجْدَاثَهُمْ(3)،نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ(4)، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ، قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظ وَوَاعِظَة، وَرُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَة(5)!!
118. [وقال(عليه السلام):] طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ(6)،أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْبِدْعَةِ.
ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله). |
____________
1. سَفْر: أي مسافرون.
2. نُبَوّئهم: ننزلهم.
3. أجْداثهم: قبورهم.
4. التُرَاث: أي الميراث.
5. الجائحة: الافة تُهْلِك الاصل والفرْع.
6. الخَلِيقة: الخلق والطبيعة.
120. وقال(عليه السلام): لاََنْسُبَنَّ الاِْسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي:
الاِْسْلاَمُ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الاِْقْرَارُ، وَالاِْقْرَارُ هُوَ الاَْدَاءُ، وَالاَْدَاءُ هَوَ الْعَمَلُ.
121. وقال(عليه السلام): عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ(2) الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الاْخِرَةِ حِسَابَ الاَْغْنِيَاءِ.
وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالامْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً.
وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ.
وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى.
وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الاُْخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الاُْولَى.
____________
1. غَيْرَة المرأة كُفْرٌ أي: تؤدي إ لى الكفر، فانها تحرم على الرجل ما أحلّ الله له من زواج متعددات، أما غيرة الرجل فتحريم لما حرّمه الله، وهو الزنى.
2. البخيل يستعجل الفقر: يريد أنه يهرب من الفقر. بجمع المال، وتكون له الحاجة فلا يقضيها، ويكون عليه الحق فلا يؤديه.
122. وقال(عليه السلام): مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لله فِيمَنْ لَيْسَ لله فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.
123. وقال(عليه السلام): تَوَقَّوا الْبَرْدَ(1) فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ(2) فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الاَْبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الاَْشْجَارِ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَآخِرُهُ يُورقُ(3).
124. وقال(عليه السلام): عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْـمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
125. وقال(عليه السلام) وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ(4)، وَالْـمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ(5)، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ.
يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ(6) سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ(7) لاَحِقٌ.
أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الاَْزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الاَْمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ.
____________
1. تَوَقّوا البرد أي: احفظوا أنفسكم من أذاه.
2. تَلَقّوه: استقبلوه.
3. آخِرُه يُورِق: لان البرد في آخره يمس الابدان بعد تعودها عليه، فيكون عليها أخف.
4. المُوحِشة: الموجبة للوَحْشَة ضد الانس.
5. المَحَالّ ـ جمع مَحَلّ ـ أي: الاركان المُقْفِرة، من أقفر المكان: إذا لم يكن له ساكن ولا نابت.
6. الفَرَط ـ بالتحريك ـ: المتقدّم إلى الماء، للواحد وللجمع، والكلام هنا على الاطلاق، أي المتقدمون.
7. التَبَع ـ بالتحريك ـ: التابع.
ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لاََخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
126. وقال(عليه السلام) وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ للدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُرِهَا، [الْـمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ]ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ(1) عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ(2)، أَمْ مَتى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ(3) مِنَ الْبِلَى(4)، أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى(5)؟ كَمْ عَلَّلْتَ(6) بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ
____________
1. تَجَرّمَ عليه: ادّعى عليه الجُرْم ـ بالضم ـ أي الذنب.
2. استهواه: ذهب بعقله وأذله فحيره.
3. المَصارِع: جمع المَصْرَع، وهو مكان الانصارع أي السقوط، أي مكان سقوط آبائك من الفناء. 4. البِلى ـ بكسر الباء ـ: الفناء بالتحلل.
5. الثَرَى: التراب.
6. عَلّل المريض: خدمه في علته ـ كمرّضهُ ـ خدمه في مرضه.
إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا(5)، وَدَارُ مَوْعِظَة لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَاالرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ.
فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ(6) بِبَيْنِهَا(7)، وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ(8) نَفْسَهَا
____________
1. اسْتَوْصَفَ الطبيبَ: طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء.
2. إشفاقك: خوفك.
3. الطِلْبَة ـ بالكسر وبفتح فكسر ـ: المطلوب، وأسعفه بمطلوبه: أعطاه إياه على ضرورة إليه.
4. مَثّلَتْ لك به الدنيا نَفْسَك أي: أن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالاً لنفسك تقيسها عليه.
5. تزَوّدَ أي: أخذ منها زاده للاخرة.
6. آذَنَتْ ـ بمد الهمزة ـ أي: أَعلمت أهلها.
7. بَيْنها أي: بُعدها وزوالها عنهم.
8. نَعَاه: إذا أخبر بفقده.
127. وقال(عليه السلام): إِنَّ لله مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْم: لِدُوا(4) لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
128. وقال(عليه السلام): الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ إلى دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَاعَ نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا(5)، وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ(6) فَأَعْتَقَهَا.
129. وقال(عليه السلام): لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَث: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.
____________
1. راح إليه: وافاه وقت العشي، أي أنها تمشي بعافية.
2. تَبْكِر أي: تصبح.
3. فَجِيعة أي: مصيبة فاجعة.
4. لِدُوا: فعل أمر من الولادة لجماعة المخاطبين.
5. أوْبَقَها: أهلكها.
6. ابْتَاع نفسه: اشتراها وخلصها من أسر الشهوات.
وتصديقُ ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ عزوجل في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال في الاستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَة ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب فأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)
131. وقال(عليه السلام): الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيف، وَلِكُلِّ شَيْء زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ(1).
132. وقال(عليه السلام): اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.
133. وقال(عليه السلام): تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.
134. وقال(عليه السلام): مَا عَالَ(2) امرؤٌ اقْتَصَدَ.
____________
1. حُسْنُ التَبَعّل: إطاعة الزوج.
2. عَالَ: افتقرَ.
136. وقال(عليه السلام): يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ أجْرُهُ(1).
137. وقال(عليه السلام): كَمْ مِنْ صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الاَْكْيَاسِ(2) وَإِفْطَارُهُمْ!
138. وقال(عليه السلام): سُوسُوا(3) إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.
139. ومن كلام له (عليه السلام) لكُمَيْل بن زياد النخعي:
قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فأخرجني إلى الجبّان(4)، فلمّا أصحر(5) تنفّس الصّعَدَاء(6)، ثمّ قال:
____________
1. حبِطَ أجره: بطل، لانه يحرم ثوابه.
2. الاكياس ـ جمع كَيّس بتشديد الياء ـ أي: العقلاء العارفون يكون نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم.
3. سُوسُوا: أمر من السياسة، وهي حفظ الشيء بما يَحُوطه من غيره، والصدقة تستحفظ الشفقة، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر الله.
4. الجَبّان ـ كالجَبّانة ـ: المقبرة.
5. أصْحَرَ أي: صار في الصحراء.
6. تنفّسَ الصُعَدَاء أي: تنفس تنفساً ممدوداً طويلاً.
النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ(3)، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاة، وَهَمَجٌ(4) رَعَاعٌ(5)، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق(6)، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق.
يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو(7) عَلَى الاِْنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
____________
1. أوْعِيَة: جمع وِعاء، وهو الاناء وما أشبهه.
2. أوْعَاها: أشدّها حفظاً.
3. العالم الرَبّانيّ: العارف بالله، المنسوب إلى الرب.
4. الهَمَج ـ محركة ـ: الحمقى من الناس.
5. الرَعَاع ـ كَسَحاب ـ: الاحْداث الطَغام الذين لا منزلة لهم في الناس.
6. الناعق: مجاز عن الداعي إلى باطل أو حقّ.
7. يَزْكُو: يزداد نماءً.
يَا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الاَْمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ،أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.
هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً(1)! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً(2) غَيْرَ مَأْمُون عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ(3)، لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ(4)، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لاَِوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَة.
أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً(5) بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ(6) للشَّهْوَةِ، أَوْ
____________
1. الحَمَلَة ـ بالتحريك ـ: جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت، أي لو وجدت له حاملين لابرزته وبثثته.
2. اللَقِنُ ـ بفتح فكسر ـ: من يفهم بسرعة.
3. المُنْقادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحق وخفاياه، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لاقل شبهة.
4. في أحنائه أي: جوانبه، ومفردها حِنْو.
5. المَنْهوم: المُفْرِط في شهوة الطعام.
6. سَلِس القِياد: سَهْلُه.
اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الاَْرْضُ مِنْ قَائِم لله بِحُجَّة، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أوْ خَائِفاً مَغْمُوراً(5)، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا(6) مَا اسْتَوْعَرَهُ(7) الْمُتْرَفُونَ(8)، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ
____________
1. المُغْرَم ـ بالجمع ـ: المُولّع بجمع المال. 2. ادّخار المال: اكتنازه.
3. الانْعَام: البهائم.
4. السائمة: التي ترسل لترعى من غير أن تُعْلَف.
5. مغموراً: غمره الظلم حتى غطّاه فهو لا يظهر.
6. اسْتَلانُوا: عدّوا الشيء ليناً.
7. اسْتَوْعَرَه: عدّه وعْراً خَشِناً.
8. المُتْرَفُون: أهل الترف والنعيم.
انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.
140. وقال(عليه السلام): الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
141. وقال(عليه السلام): هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
142. وقال(عليه السلام) لرجل سأَله أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الاْخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيُرَجِّي التَّوْبَةَ(1) بِطُولِ الاَْمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ(2) عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ لَهُ، إِنْ سَقِمَ(3) ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا
____________
1. يُرَجِّي التوبة ـ بالتشديد ـ أي: يؤخر التوبة.
2. يُقيم على الشيء: يداوم على إتيانه.
3. سَقِمَ: مَرِض.
____________
1. يَسْتَيْقِن: يكون على ثقة ويقين.
2. بَطِرَ ـ كفرح ـ: اغتر بالنعمة، والغرور فتنة.
3. القنوط: اليأس.
4. الوَهْن: الضعف.
5. أسْلَف: قدم. 6. سَوّفَ: أخّر.
7. عَرَتْه مِحْنَة: عَرَضت له مصيبة ونزلت به.
8. انفَرَج عنها: انخلع وبَعُدَ.
9. شرائط الملّة: الثبات والصبر، والاستعانة بالله.
10. العِبْرة ـ بالكسر ـ: تنبّه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه.
ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصر و، عبرةً لناظر مفكّر. |
144. وقال(عليه السلام): لِكُلِّ مُقْبِل إِدْبَارٌ، وَمَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
____________
1. أدَلّ على أقرانه: استعلى عليهم.
2. الغُنْم ـ بالضم ـ: الغنيمة. 3. المَغْرَم: الغرامة.
4. بادره: عاجله قبل أن يذهب.
5. الفَوْت: فوات الفرصة وانقضاؤها.
146. وقال(عليه السلام): الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَعَلَى كُلِّ دَاخِل فِي بَاطِل إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ.
147. وقال(عليه السلام): اعْتَصِمُوا(1) بِالذِّمَمِ(2) فِي أَوْتَادِهَا(3).
148. وقال(عليه السلام): عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لاَ تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِ(4).
149. وقال(عليه السلام): قَدْ بُصّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ(5)، وَقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وأُسْمِعْتُمْ إِنِ اسْتَمَعْتُمْ.
150. وقال(عليه السلام): عَاتِبْ أَخَاكَ بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالاِْنْعَامِ عَلَيْهِ.
151. وقال(عليه السلام): مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ.
____________
1. اعْتَصِموا: تحصّنوا.
2. الذِمَم: العهود.
3. الاوتاد: جمع وَتِد، وهو ما رُزّ في الارض أو الحائط من خشب، ويريد بالاوتاد ـ هنا ـ الرجال أهل النجدة الذين يوفون بها.
4. من لا تُعْذَرُون بجهالَتِه أي: عليكم بطاعة عاقل لاتكون له جهالة تعتذرون بها عند البراءة من عيب السقوط في مخاطر أعماله فيقل عذركم في اتباعه.
5. بُصّرْتُم إن أبْصرْتم أي: إن كانت لكم أبصار فأبصروا.
153. وقال(عليه السلام): الْفَقْرُ الْمَوْتُ الاَْكْبَرُ.
154. وقال(عليه السلام): مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ.
155. وقال(عليه السلام): لاَ طَاعَةَ لَِمخْلُوق فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
156. وقال(عليه السلام): لاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ.
157. وقال(عليه السلام): الاِْعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ الاْزْدِيَادَ(3).
158. وقال(عليه السلام): الاَْمْرُ قَرِيبٌ وَالاْصْطِحَابُ قَلِيلٌ(4).
159. وقال(عليه السلام): قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
160. وقال(عليه السلام): تَرْكُ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ.
____________
1. اسْتَأثَرَ أي: استبدّ.
2. الخِيَرَة: الخيار.
3. الاعْجاب يمنع من الازْدِياد: مَن أعْجِبَ بنفسه وَثِقَ بكمالها فلم يطلب لها الزيادة في الكمال، فلا يزيد بل ينقص.
4. أمر الاخرة قريب، والاصطحاب في الدنيا قصير الزمن قليل.
162. وقال(عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
163. وقال(عليه السلام): مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الاْرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَاَ.
164. وقال(عليه السلام): مَن أَحَدَّ(1) سِنَانَ(2) الْغَضَبِ لله قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِ.
165. وقال(عليه السلام): إِذَا هِبْتَ أَمْراً(3) فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ(4) أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
166. وقال(عليه السلام): آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ.
167. وقال(عليه السلام): ازْجُرِ الْمُسِيءَ بِثوَابِ الْـمُحْسِنِ(5).
168. وقال(عليه السلام): احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ.
____________
1. أحَدّ ـ بفتح الهمزة والحاء وتشديد الدال ـ أي: شَحَذَ.
2. السِنَان: نَصْل الرمح.
3. هِبْت أمراً: خفت منه.
4. تَوَقّيه: الاحتراز منه.
5. ازجر المسيء بثواب المُحسن أي: إذا كافأت المحسن على إحسانه أقلع المسيء عن إساءته طلباً للمكافأة.
170. وقال(عليه السلام): الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ.
171. وقال(عليه السلام): ثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ النَّدَامَةُ، وَثَمَرَةُ الْحَزْمِ السَّلاَمَةُ.
172. وقال(عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقوْلِ بِالْجَهْلِ.
173. وقال(عليه السلام): مَا اخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلاَّ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلاَلَةً.
174. وقال(عليه السلام): مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ.
175. وقال(عليه السلام): مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِّبْتُ، وَلاَ ضَلَلْتُ وَلاَ ضُلَّ بِي.
176. وقال(عليه السلام): لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّهِ عَضَّةٌ(2).
177. وقال(عليه السلام): الرَّحِيلُ وَشِيكٌ(3).
178. وقال(عليه السلام): مَنْ أَبْدى صَفْحَتَهُ(4) لِلْحَقِّ هَلَكَ.
179. وقال(عليه السلام): مَنْ لَمْ يُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَكَهُ الْجَزَعُ.
____________
1. اللَجَاجَة: شدة الخِصام تعصباً، لاللحق، وهي تَسُلّ الرأيَ، أي تَذْهَبُ به وتَنْزِعه.
2. بكفّه عَضّة: أي يعض الظالم على يده ندماً يوم القيامة.
3. وشِيك: قريب، أي أن الرحيل من الدنيا إلى الاخرة قريب.
4. إبْدَاء الصفحة: إظهار الوجه، والمراد الظهور بمقاومة الحق.
و روي له شعر في هذا المعنى، وهو:
181. وقال(عليه السلام): إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ(4) تَنْتَضِلُ فِيهِ(5) الْمَنَايَا(6)،
____________
1. عبارة: «و لاتكون بالصحابة» لم ترد في أكثر الطبعات لنهج البلاغة ومنها طبعة صبحي الصالح هذه، وأثبتناها من النسخ الخطية، وحذف هذه العبارة يعدّ خلافاً للامانة العلمية التي هي شرط أساسي لكلّ محقق، فلا يحقّ لايّ محقق أن يتلاعب بالنصّ ويحذف منه شيئاً ويغيّر معنى الكلام لاغراض تخصّه [المصحح]
2. غُيّبُ ـ جمع غائب ـ: يريد بالمشيرين أصحاب الرأي في الامر، وهم علي وأصحابه من بني هاشم وغيرهم.
3. خَصِيمُهم: المجادل باسمهم، ويريد احتجاج أبي بكر على الانصار بأن المهاجرين شجرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
4. الغَرَض ـ بالتحريك ـ: ما يُنْصَب ليصيبه الرامي.
5. تَنْتَضِل فيه: أي تصيبه وتثبت فيه.
6. المَنايا: جمع مَنِيّة، وهي الموت.
فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ(3)، وَأَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ(4)، فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُوا الْبَقَاءَ وَهذَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْء شَرَفاً(5) إِلاَّ أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا، وَتَفْرِيقِ مَا جَمَعا؟!
182. وقال(عليه السلام): يَابْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ، فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ.
183. وقال(عليه السلام): إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالاً وَإِدْبَاراً، فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ
____________
1. النَهْب ـ بفتح فسكون ـ: ما يُنْهَب.
2. الشَرَق ـ بالتحريك ـ: وقوف الماء في الحلق، أي مع كل لذة ألم.
3. المَنُون ـ بفتح الميم ـ: الموت.
4. أنفسنا نَصْب الحُتُوف أي: تجاهها، والحُتُوف: جمع حَتْف أي هلاك.
5. الشَرَف: المكان العالي، والمراد به هنا كل ما علا من مكان وغيره.
185. وقال(عليه السلام) وقد مرّ بقذر على مزبلة: هذا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ.
و روي في خبر آخر أَنه قال: هذَا مَا كُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ فِيهِ بِالاَْمْسِ!
186. وقال(عليه السلام): لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ.
187. وقال(عليه السلام): إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الاَْبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ(1).
188. وقال(عليه السلام) لما سمع قول الخوارج ـ لا حكم إِلاَّ للهِ ـ: كَلِمَةُ حَقّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ.
189. وقال(عليه السلام) في صفة الْغوغاء(2): هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا.
وقيل: بل قال: هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا.
فقيل: قد علمنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟
فقال: يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ إِلَى مِهَنِهِمْ، فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ، كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ، وَالنَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ، وَالْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ.
____________
1. طرائف الحكمة: غرائبها المستطرفة.
2. الغَوْغَاء ـ بغينين معجمتين ـ: أوباش الناس يجتمعون على غير ترتيب.
191. وقال(عليه السلام): إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَان مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنَّ الاَْجَلَ(1) جُنَّةٌ حَصِينَةٌ(2).
192. وقال(عليه السلام)، وقد قال له طلحة والزبير: نبايعك على أَنّا شركاؤُكَ في هذا الاَمر.
فقال: لاَ، وَلكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُّوَّةَ وَالاِْسْتَعَانَةِ، وَعَوْنَانِ عَلَى الْعَجْزِ وَالاَْوَدِ(3).
193. وقال(عليه السلام): أَيُّهَا النَّاسُ، اتّقُوا اللهَ الَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سمِعَ، وَإِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ، وَبَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ أَدْرَكَكُمْ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ نَسِيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْ.
194. وقال(عليه السلام): لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ، فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْء مِنْهُ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ، (وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ)
____________
1. الاجَل: ما قدّره الله للحي من مدّة العمر.
2. جُنّة حصينة: وقاية منيعة.
3. الاوَد: بُلوُغ الامر من الانسان مجهوده لشدّته وصعوبة احتماله.
196. وقال(عليه السلام): أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجَاهِلِ.
197. وقال(عليه السلام): إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بَقَوْم إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ.
198. وقال(عليه السلام): مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ،مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ.
199. وقال(عليه السلام): لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا(1) عَطْفَ الضَّرُوسِ(2) عَلَى وَلَدِهَا.
و تلا عقيب ذلك: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
200. وقال(عليه السلام): اتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً، وَجَدَّ تَشْمِيراً، وَكَمَّشَ(3)فِي مَهَل، وَبَادَرَ عَنْ وَجَل(4)،نَظَرَ فِي كَرَّةِ الْمَوْئِلِ(5)، وَعَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ، وَمَغَبَّةِ الْمَرْجِعِ(6).
____________
1. الشِماس ـ بالكسر ـ: امتناع ظهر الفرس من الركوب.
2. الضَرُوس ـ بفتح فضم ـ: الناقة السيّئة الخلق تعض حالبها، أي إن الدنيا ستنقاد لنا بعد جُمُوحها وتلين بعد خشونتها، كما تنعطف الناقة على ولدها، وإن أَبتْ على الحالب.
3. كَمّشَ ـ بتشديد الميم ـ: جَدّ في السَوْق، أي: وبالغ في حث نفسه على المسير إلى اللّه ولكن مع تمهل البصير. 4. الوَجَل: الخوف.
5. المَوْئِل: مستقرّ السير، يريد به ـ هنا ـ ما ينتهي إليه الانسان من سعادة وشقاء، وكرّته: حملته وإقباله.
6. المَغَبّة ـ بفتح الميم والغين وتشديد الباء ـ: العاقبة، إلا أنه يلاحظ فيها مجرد كونها بعد الامر، أما العاقبة ففيها أنها مسببة عنه، والمصدر: عملك الذي يكون عنه ثوابك وعقابك، والمَرْجع: ما ترجع إليه بعد الموت ويتبعه إما السعادة وإما الشقاوة.
____________
1. الفِدَام ـ ككتاب وسَحَاب، وقد تشدّد الدال أيضا مع الفتح ـ: شيء تشده العجم على أفواهها عند السَقْي، أي: وإذا حلمت فكأن ربطت فم السفيه بالفِدام فمنعته من الكلام.
2. السُلُوّ: الهجو والنسيان.
3. الحِدْثان ـ بكسر فسكون ـ: نوائب الدهر. والصبر يناضلها: أي يدافعها.
4. الجزع: شدّة الفزع.
5. المُنى ـ بضم ففتح ـ: جمع مُنْيَة، وهي ما يتمناه الانسان. 6. المَلُول ـ بفتح الميم ـ: السريع الملل والسآمة.
203. وقال(عليه السلام): أَغْضِ(2) عَلَى الْقَذَى(3) وَالاَْلَمِ تَرْضَ أَبَداً(4).
204. وقال(عليه السلام): مَنْ لاَنَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُ(5).
205. وقال(عليه السلام): الْخِلاَفُ يَهْدِمُ الرَّأْيَ.
206. وقال(عليه السلام): مَنْ نَالَ(6) اسْتَطَالَ(7).
____________
1. العُجْب ـ بضم العين ـ: إعجاب المرء بنفسه.
2. الاغْضاء على الشيء: كناية عن تحمله.
3. القَذَى: الشيء يسقط من العين.
4. وفي بعض النسخ: وإلاّ لم ترض أبداً.
5. يريد من لين العُود: طراوة الجثمان الانساني ونضارته بحياة الفضل وماء الهمّة. وكثافة الاغصان: كثرة الاثار التي تصدر عنه كأنها فروعه، ويريد بها كثرة الاعوان.
6. نال: أي أعطى، يقال: نُلْته ـ على وزن قُلْته ـ أي: أعطيته.
7. الاستطالة: الاستعلاء بالفضل.
208. وقال(عليه السلام): حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّةِ(1).
209. وقال(عليه السلام): أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ.
210. وقال(عليه السلام): لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ.
211. وقال(عليه السلام): بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ.
212. وقال(عليه السلام): مِنْ أَشْرَفِ أَفْعَالِ الْكَرِيمِ غَفْلَتُهُ عَمَّا يَعْلَمُ.
213. وقال(عليه السلام): مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ.
214. وقال(عليه السلام): بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ، وَبِالنَّصَفَةِ(2) يَكْثُرُ الْمُوَاصلُونَ(3)، وَبالاِْفْضَالِ تَعْظُمُ الاَْقْدَارُ، وَبِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ، وَبِاحْتَِمالِ الْمُؤَنِ(4) يَجِبُ السُّؤْدَدُ(5)، وَبِالسِّيرَةِ الْعَادِلَةِ يُقْهَرُ الْمُنَاوِىءُ(6)،بِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِيهِ تَكْثُرُ الاَْنْصَارُ عَليْهِ.
____________
1. سُقْم المَوَدّة: ضعف الصداقة.
2. النَصَفَة ـ بالتحريك ـ: الانصاف.
3. المُوَاصِلُون أي: المحبّون.
4. المُؤن ـ بضم ففتح ـ: جمع مؤونة، وهي القوت.
5. السُؤدَد: الشرف.
6. المُناوِىء: المخالف المعاند.
216. وقال(عليه السلام): الطَّامِعُ فِي وِثَاقِ الذُّلِّ.
217. وقال(عليه السلام) وقد سئل عن الاِيمان: الاِْيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالاَْرْكَانِ.
218. وقال(عليه السلام): مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللهِ سَاخِطاً، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشَكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ، وَمَنْ أَتى غَنِيَّاً فَتَوَاضَعَ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ اللهِ هُزُواً، وَمَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ(1) قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَلاَث: هَمٍّ لاَ يُغِبُّهُ، وَحِرْص لاَ يَتْرُكُه، وَأَمَل لاَ يُدْرِكُهُ.
219. وقال(عليه السلام): كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً، وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِيماً.
220. وسئل(عليه السلام) عن قوله تعالى: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، فَقَالَ: هِيَ الْقَنَاعَةُ.
221. وقال(عليه السلام): شَارِكُوا الَّذِي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ، فَإِنَّهُ أَخْلَقُ لِلْغِنَى، وَأَجْدَرُ بِإِقْبَالِ الْحَظِّ عَلَيْهِ.
222. وقال(عليه السلام) في قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِ): الْعَدْلُ الاِْنْصَافُ، وَالاِْحْسَانُ التَّفَضُّلُ.
____________