لا يمكن بلوغ الوعي الكوني ما دام هناك ارتعاش فكري صغير أو موجة قلق عقلي طفيفة. الأساليب العلمية للتأمل تساعد كثيراً على تحسين نوعية التركيز العقلي مثلما تعزز قدرة الشخص على التحكم بأفكاره، مما يوفر عليه سنيناً من التجوال العقيم في عالم اللاشعور.
لا ننكر أن للاشعور فائدته كمستودع للذاكرة، وكمنطقة للنوم والأحلام. لكن يمكن أن تكون تلك المنطقة عائقاً للتأمل، وفيها ما فيها من الإغراء للخياليين الميالين للإتصال بعالم الأرواح بولوج مجال الهلوسة الخيالية التي لا حقيقية لها ولا قيمة روحية، ولا تختلف كثيراً عن الأحلام العادية أثناء الليل. طرق التأمل العلمية، إضافة إلى المجهود الشخصي ترفع مستوى العقل إلى الحالة السامية لمعرفة الذات والتناغم مع الله.
ما ينبغي تجنبه هو تلك المنطقة الزاخرة بالاختبارات الوهمية الخيالية التي يحتسبها البعض تجارب روحية لكنها ليست من الروحية في شيء. لا يمكن الحصول على اختبارات روحية حقيقية وإدراك فعلي للحق دون تركيز العقل على الله. فالتركيز التأملي هو حالة استغراق عقلي تام وسكون كامل للوعي. طبيعة الوجود هي الحركة أما طبيعة الروح فهي السكون أو عدم الحركة. التركيز إذاً ضروري من أجل التناغم المقدس. إن أساليب وفنون التركيز والتأمل المعطاة في دروس معرفة الذات توصل إلى التوافق التام للوعي البشري مع الوعي الإلهي.
العالم طريقته الوعظ الكثير والتطبيق القليل. قد تسمع محاضرة عن العسل لمائة مرة، ولكن لن تعرف نكهة العسل ما لم تتذوقه. وبالمثل لا يمكن معرفة روعة أي تعليم إلا بالممارسة. يجب أن نطبّق تعاليم الأنبياء والعظماء ونحياها. عندئذ ستصبح حقائقهم حقائقنا وندرك أن الحق يمكن إثباته والبرهنة عليه، وإنه عالمي الطابع. عندما نسير بنور الحق، فمهما كان معتقدنا أو الطريق الذي نسير عليه سيتقبل الله عملنا ويقبلنا في عداد المقربين لديه.
يجب السير على دروب الحق بإخلاص وثبات. وتذكر أيها الراغب العزيز أن من بين ملايين البشر لا يوجد سوى قلة قليلة يبحثون عن الله. وحتى من بين أولئك الباحثين لا يثبت سوى عدد ضئيل منهم حتى نهاية المشوار. لكن المثابر على الطريق سيتعرف على الله. وما دام قلبه مع الله سيصل إلى غايته المنشودة مهما تعثرت قدماه وسقط المرة تلو الأخرى. ما دامت النوايا صافية والدوافع نظيفة فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وهكذا يجب أن نبذل ما في وسعنا لكي نجعل التأمل على الله تجربة مُعاشة في حياتنا. الإخلاص في الإيمان مطلب أساسي لا غنى عنه، حيث لا ينفع الإدعاء الذي لا يزيد صاحبه إلا غروراً وبُعداً عن غايته.
(كلَّ الذنوبِ فإن اللهَ يغفرُها إن شيَّعَ المَرءَ إخلاصٌ وإيمانُ)
آمل أن يحتل الله العلي القدير المقام الأول في حياتكم وأن لا تنسوه لحظة واحدة، وأن لا تقنعوا بحطام الدنيا بل تجعلوا الله محجتكم المباركة وهدفكم الأسمى في الحياة. خلفَ الجسد المحدود يكمن المطلق اللامتناهي. إنني لا أتكلم بالروحيات ما لم أشعر أن الله معي وأنني منسجم معه تمام الإنسجام. وعندما أتحدث من ذلك الوعي أعلم أن كلماتي تتشبع بروح الحق وأن كل الباحثين الصادقين سيشعرون بصدق ما أقول.
هناك من يخلطون بين الحقائق والأوهام، فيصرّون على أن الحقائق أساطير وأوهام وأن الأوهام حقائق وأنوار تسطع في الظلام.
(ويمحُ اللهُ الباطلَ ويحقُّ الحقَّ بكلماته، إنهُ عليمٌ بذات الصدور.)
القدرة على التركيز أمرٌ لا غنى عنه على الطريق الروحي من أجل التقدم والإرتقاء روحياً. إذ بدون التركيز العقلي لا يمكن أبداً العثور على الله. يجب أن نتعلم كيف نقفل نوافذ الوعي منعا لوصول الأصوات والمشوشات الأرضية الأخرى.
وعندما يتم معايرة الوعي وضبطه روحياً تحصل التجربة الذوقية ويشعر المريد بالحضور الإلهي. الله موجود دائماً وأبداً مع الإنسان وفي كل مكان. لكن عدم القدرة على ملامسة حضوره تعود إلى انشغال الذهن بأمور كثيرة ذات طابع دنيوي بحت. الإنتباه الموحَّد أو التأمل على الله هو الأداة التي تمكننا من الإحساس بقربه. ولهذه الغاية يلجأ المتصوفة إلى الذكر المستدام فيرددون إسم الله (أو لا إله إلا الله أو يا حي يا قيوم) حتى يستغرق كيانهم بأسره في المعنى فينتقل وعيهم بسهولة إلى البُعد الروحي وتحصل لهم حالات من النشوة الروحية شبيهة بحالات الوعي التي يختبرها اليوغيون في التأمل العميق. فالتجربة الروحية واحدة بالرغم من اختلاف الوسائل الموصلة إليها.
الله ليس بعيداً عن الإنسان. الإنسان هو الذي يبتعد عمداً عن الله بأفكاره وأفعاله. عندما تبصر نوراً روحيا حقيقياً في التأمل حاول الإمساك به والشعور أنك في داخله: واحدٌ معه. إن الله في قلب ذلك النور.. نور على نور. وعلى قدر الإقتراب من ذلك النور المبارك يكون الإقتراب من الله.
هناك علامة مميزة للنور الإلهي وهي أن رؤيته يصحبها دائماً وأبداً شعورٌ فوري من الغبطة أو الفرح المركـّز يتخلل كل ذرة في كل خلية في كل نسيج من أنسجة الجسم. الشعور بتلك الغبطة ليس شعوراً وهمياً، بل أن البعض يجدون صعوبة في تحمل زخم النشوة الروحية لأن العقل والجسم غير متعودين عليها. تلك النشوة هي الغاية التي ما بعدها غاية، وطوبى لمن تذوّق رحيقها فقد شرب من ينبوع ماء الحياة الحي.
كلما تزايد شعور الشخص بالسلام أثناء التركيز كلما كان التأمل على الله ناجحاً عميقاً. لو أن الوقت المخصص لقراءة الكتب الروحية يُصرف في التأمل لكان التقدم أعظم بكثير من الناحيتين العقلية والروحية. المريدون الجادون يقللون من ساعات النوم ويكرسون ساعات أطول للتأمل، لأن الراحة التي يستمتعون بها في التأمل هي أكثر تنشيطاً وإنعاشاً من النوم بمائة مرة.
ما لم يتمكن الإنسان من قطع الأصوات من وعيه لا يستطيع التوصل إلى الله. لهذا السبب قصد الأنبياء والقديسون خلوات الكهوف والجبال والغابات. الحاجة تمس إلى الغوص في السكون الباطني مراراً وتكراراً بممارسة طرق التركيز والتأمل وسيتم العثور عندها على سلام عظيم وسعادة فائقة. تقول نصوص الحكمة:
إن المتحرر من الرغبات المتجددة والتشوق للمتلكات، إذ يضبط قلبه وعقله (عواطفه وأفكاره) ويقصد مكاناً هادئاً، يجب أن يحاول دوماً التوحد مع الروح الكلي.”
كما أن الحاجة تمس إلى ممارسة أكبر للصمت التأملي في أماكن العبادة. يجب التقليل من الكلام والإكثار من التأمل. لقد كان معلمي سري يوكتسوار يلقي علينا إبان تدريبي الروحي في الهند محاضرة واحدة وحسب بين الفينة والأخرى. معظم الوقت كنا نجلس حوله دون كلام وبتركيز عميق.
المرشد الروحي الصادق يمتلك أكثر من معرفة كتب. ومنه يمكن أن نتعلم الحكمة والمعرفة التوحيدية لأنه يعرف ويعرف أنه يعرف لأنه يعرف الحق بذاته ولم يكتف بقراءة الكتب وحسب.
ينقسم الفضاء إلى جزأين أو مظهرين. الخليقة هي أحد جانبي الفضاء، وعلى الجانب الآخر يوجد الله لا غير، ولا وجود للخليقة البتة. ذلك هو عالم الظلام غير المعتم والنور غير المضيء.. فحيث لا تشرق شمسٌ ولا يضيء قمرٌ ولا تتوهج نارٌ هناك مقر الله الدائم الباقي.
وهذه الثنائية تنطبق أيضاً على الوعي البشري. كيان الإنسان له جانبان: أحدهما منظور والآخر غير منظور. بعينين مفتوحتين تبصر الوجود الظاهر وتبصر ذاتك فيه. وبعينين مغمضتين لا تبصر شيئاً سوى فراغ مظلم. ومع ذلك يظل وعيك على درجة كبيرة من الشعور والفعالية. إن تمكنتَ بالتأمل العميق من اختراق الظلمة التي خلف العينين المغمضتين لأبصرتَ النور الذي عنه انبثقت كل الخليقة. وفي حالة النشوة الروحية يتخطى الوعي النورَ الظاهر ويدخل إلى رحاب الوعي الكلي الموجود خلف كل صور الخليقة وأشكالها. ذلك الوعي يفوق كل المدركات الحسية. أما جوهره وغبطته والحالات المقترنة به فمن الصعب إعطاؤها حقها من الوصف الدقيق لأنها تنتمي إلى بُعد روحي نادراً ما يرتاده الناس بالرغم من وجود حقيقته وحقيقة وجوده.
لقد منحنا الله الفرصة كي نختبر في وعينا نفس الطريقة التي تعمل بموجبها النواميس التي تضبط الكون. إن حالة الوعي التي لا شكل لها، والتي يمكن إدراكها بعينين مغمضتين يمكن مقارنتها بالمنطقة اللانهائية (الظلام غير المعتم) و (النور غير المضيء)، حيث الله موجود بمعزل عن أي من الصور والصفات والثنائيات التي تميّز خليقته المادية. وفي هذا المُنفسَح غير المحدود للأبدية ما وراء الخليقة يوجد الله لوحده في وعي الغبطة أو الفرح المطلق الدائم الوجود والوعي والتجدد. ذلك الوعي يعصى على الوصف ولا يقع تحت مقارنة لأنه لا نظير له على الإطلاق. في ذلك المجال من الأبدية حيث السيادة للمطلق اللانهائي، لا وجود لعوالم أو لمخلوقات على اختلافها. لكن على الجانب الآخر للفضاء يشعر الله بكل شيء.. بكل الخليقة في ذاته.
في اللامنظور يكمن مصنع الأكوان. قال أحد علماء الفضاء إن الفضاء ليبعث على الدهشة، فكل شيء ينبعث عنه ويذوب به. فإلى أين تتلاشى الذرات ومكوناتها والعوالم بأسرها؟!
كلما بدت المادة فتانة وقوية الإغراء أغمضْ عينيك. أنظر في داخلك وتأمل على مصدر الحياة. قد لا ترى شيئا ولا تشعر بشيء، لكن كل الأجرام المنظورة صدرت عن ذلك اللامنظور. (والنور يضيء في الظلمة) (نور السموات والأرض). إن واصلتَ التحديق في الظلام بتركيز هادئ عميق ستعثر على ذلك النور العظيم.. إذ خلف الظلام يكمن الوعي الروحي.. وخلف الظلام تكمن العوالم الأخرى. (في بيت أبي منازل كثيرة) (ولدار الآخرة خير، ولنعمَ دار المتقين.)
العقل الكلي موجود خلف الفضاء مباشرة. ووراء وعي الإنسان يكمن وعي الله. كفى جهلاً بحضوره. يجب أن نخضّ الظلام ونمخضه بالتأمل وأن لا نتوقف حتى نعثر عليه. هناك في المطلق اللانهائي مدركات لا حصر لها ومشاهدات باطنية لا تعد ولا تحصى وحلول لكل مشكلات الحياة.
الحقائق التي أدركتها بالتأمل في داخلي تـُظهر قوانين فسيولوجية يتم اكتشافها علمياً بطرق أخرى. عندما أغمض عينيّ أستطيع مشاهدة تيارات الحياة الشفافة منسابة في جسمي. لا تفكر أنك وحيد في الهدوء الذي تختبره. فالله معك، ولا مبرر للتفكير بأنه ليس معك. الأثير يغص بالموسيقى التي يتم التقاطها عن طريق أجهزة الإستقبال. وهكذا الحال أيضاً بالنسبة لله. إنه معنا في كل لحظة من وجودنا. ولكن لإدراك حضوره يجب ممارسة التأمل العميق. يجب أن لا نساعد جفوننا على النوم قبل أن نحصل ولو على إشارة ما بأن الله معنا، عندها يمكن أن ننام ملء جفوننا نوماً هنيئاً هادئاً. ويا أيها الراغب المشتاق، أمعن النظر في الظلام إلى أن تكتشف غوامضه العجيبة.
ذات مرة كنت جالساً في مكتبتي حوالي الساعة الرابعة عصراً، وفجأة اختفى نفـَسي وتصلبت أطرافي، ووجدت نفسي أرقب عملية الموت. فالنـَفـَس والحركة فارقا جسدي، ومع ذلك بقيت واعياً. لقد كان اختباراً رائعا. إذ رأيت جسمي وكل الطبيعة كصور كونية متحركة قوامُها النور الإلهي. وهتفت بفرح: “لا يوجد موت يا إلهي! فهذا العالم بأسره ما هو إلا معرض للصور المتحركة ليس أكثر!”
قد يقول الحاكم المتربع على كرسيه أو عرشه: “أنا السيد المطاع.. ليَ تنحني الهامات.” لكن دع الموت يناول ذلك السيد المُطاع لكمة واحدة من لكماته القاضية فيصبح أثراً بعد عين.
يا أصدقائي، الملك الحقيقي هو الذي يحب الله ويشعر بحضوره في كل صور الخليقة ويهتم بغيره اهتمامه بنفسه. فحتى الموت لن يسبب له هلعاً أو فزعاُ لأنه يرى به معبراً إلى مملكة الله (خالدين فيها أبدا.)
هناك ثلاث طرق لتوسيع الوعي البشري إلى الوعي الكوني. الطريقة الأولى هي الطريقة الإجتماعية، حيث نطرد الأنانية من نفوسنا ونكون على أتم الإستعداد لمساعدة الناس وخدمة المحتاجين للمساعدة والخدمة. يجب أن نكون مخلصين أوفياء لأصدقائنا وأن نشعر بالمحبة نحو الجميع. لقد منحنا الله أسرة علنا نمدد حدود وعينا بإبداء اهتمامنا الصادق بالآخرين والعمل من أجلهم. إننا نتعلم المحبة والتضحية من أجل أحبائنا في الحياة العائلية ولذلك نحرز بعض التمدد في وعينا. لكن هذا لا يكفي. فالحب الذي يحصر ذاته في دائرة ضيقة يصبح حباً مقيداً غير قابل للتوسع والامتداد. ومتى أصبح لا شخصياً تكبر دائرته ويتسع محيطه. يجب تغذية هذا النوع من الحب ومحاولة منح الجميع نفس المحبة التي نشعر بها نحو أسرتنا والمقربين إلينا، والعمل في سبيل الآخرين تماماً مثلما نعمل لأنفسنا (إن الله يحب المحسنين). تلك هي الطريقة الإجتماعية لبلوغ الوعي الكوني.. طريقة الخدمة والمحبة.
فالله سبحانه وتعالى يحبنا بالتساوي كأسرة كونية كبيرة ويتوقع منا أن نحب بعضنا بعضا. فإن أحببنا شعرنا بالسعادة وإن لم نحبب نعاقب أنفسنا بالتألم والمعاناة.
(يا صاحبي إن العداءَ جهنمٌ)
يجب أن يتغير تفكير العالم. فنحن الكل لأن طبيعتنا الحقة هي شاملة بطبيعتها.
يطيب لي أن أمنح الأشياء للآخرين وأشعر بأعظم سعادة في معاينة فرحهم. عندما نحب الآخرين ونشعر بشعورهم نجد أن الوجود بأسره يتجاوب معنا ويستجيب لنا. الأنبياء والعظماء بيّنوا لنا الطريق لبلوغ الوعي الكوني. هكذا يجب أن نمنح المحبة والخدمة والتعاطف عن طيب خاطر.
صاحب الوعي الكوني هو إنسان سعيد. فهو لا يحصر حبه بفئة قليلة من الناس مستثنياً الكل من دائرة محبته وتعاطفه. وهكذا يجب أن ننظر إلى العالم بأسره كأسرة لنا. هذا الوعي يلازمني دوماً وأحس بأن الكل خاصتي. صاحب الوعي الكوني يحب كل الناس كما يحب إخوته وأخواته وأبويه وأصدقاءه.
الطريقة الثانية للوعي الكوني هي طريقة التهذيب النفسي. يجب أن لا يكون الإنسان ضحية لعدم الإعتدال. لا بأس من الاستمتاع بالأشياء لكن يجب أن لا تتعلق بها القلوب والنفوس. يجب على الراغب في توسيع حدود وعيه أن يكون حراً طليقاً في تفكيره وتصرفه، أنيساً لطيفاً دمثاً، ضابطاً لنفسه متحكماً بأهوائه، متحاشياً الاستعباد للعادات الخاطئة، متصرفاً بحسب معتقداته المستقيمة المبررة أدبياً وأخلاقياً. الضرورة تقتضي امتلاك ضبط النفس والترفع عن الثنائيات من حر وبرد، وبهجة واكتئاب، وصحة ومرض، من أجل التوصل إلى الوعي الكوني.
يجب أن نتحمل كل شيء دون إثارة أو اضطراب نفسي. فمن لا يقيّد نفسه بحبال هذه الدنيا.. ولا يدع العواطف الجامحة تتقاذفه أو تعبث بسلامه الروحي هو ذو فهم أصيل وحكمة راسخة (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.. ربي هَب لي حُكماً وألحقني بالصالحين). وفي هذا يقول النبي الكريم: “الحكمة ضالة المؤمن. فكل كلمة وعظتكَ وزجرتكَ ودَعتكَ أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحُكم”.
(استق ِ الحكمة َ لا يشغـُلكَ مِنْ
أيِّ ينبوع ٍ جَرَت يا مُستقي)
أما الطريقة الثالثة فهي الطريقة الميتافيزيقية. إذ ينبغي أن يحرر الراغب نفسه من قيود الجسد بالتأمل الصحيح حتى يتمكن من استشراف آفاق الوعي العليا وملامسة أبعادها. وهذا لا يتم إلا عن طريق تهدئة دوامة الأفكار التي تضرب بحيرة النفس فتحدث فيها أمواجاً وهياجاً. فمتى سكنت الأفكار الناشزة تهدأ صفحة الماء فتبدو السماء وما فيها معكوسة فيها بصفاء ووضوح.
إن وضعتَ قنينة ماء مسدودة في خزان من الماء فإن محتويات القنينة تبقى منفصلة عن الماء المحيط بها. ولكن إن نزعت السدادة فإن ماء القنينة يمتزج بماء الخزان. وبالمثل، فإن الأناس العاديين يُبعدون الله عن حياتهم لأن وعاء وعيهم مسدود بالجهل. ولكن حالما يتم رفع الغطاء بالتأمل الصحيح يشعر الراغب بسلام الله داخل وخارج الجسد. ومع التأمل المتزايد يزداد السلام وتتجدد الأفراح الروحية.
الله يحيط بالبشر من كل جانب لكنهم لا يشعرون به. ولا يمكن أن يشعروا بحضوره الفعلي في داخلهم ومن حولهم ما لم ينتزعوا سدادة أو غطاء الجهل ويغمروا وعيهم بوعيه القدسي.
إن غرِقَ الإنسان في بحر الرغبات المادية سيختنق. أما إن غرقَ في محيط الله فإنه سيحيا إلى أبد الآباد ودهر الدهور.
ومتى عثرتم على الله أصدقائي ستشعرون برضاء حقيقي ودائم.
الصداقات البشرية قد تنفصم حبالها وتتقطع أوصالها.. لكن الله لن يترككم.
وحتى إن هجركم الجميع وتخلوا عنكم، فما دام الله لكم، كان كل شيء لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعريف بالوعي الكوني
المعلم برمهنسا يوغانندا
ترجمة: محمود عباس مسعود
أرسلت في الثلاثاء 18 ديسمبر 2012