آخر المواضيع
🔐 برامج التنجيم المدفوعة او ✈ المجانية

نصّ منسوب لأفلاطون من المخطوط رقم 1450

في المكتبة الوطنية بباريس. الأوراق 25- 30.

تحقيق جعفر الكنج الدندشي.

نُقلتْ هذه المخطوطة من بلاد الشام في مطلع القرن

التاسع عشر، ونعتقد أنّه لم يطّلع عليها أحدٌ من المهتمين

بالمذاهب الاسلامية الباطنية في أوروبا، وإلا لكان تمّ

تحقيقها منذ زمن بعيد. وحيث أنها تُشكّل جزءً من

المخطوط رقم 1450، القسم العربي في المكتبة الوطنية

في باريس… فلست أدري لماذا لم يُشرْ إليها رينيه دوسو،

في أطروحته، تاريخ وديانة العلوية النصيرية المطبوعة

في باريس سنة 1900، وهو عضو الأكاديمية الفرنسية

 

سابقاً. حيث أنّه سرد أسماء الكتب التي سبقتها وكذلك الكتب التي تلتها، معتمداً فقط على

الورقة الأولى من المخطوطة والتي تتألّف من 178 ورقة، وكأنه اكتفى بذلك دون قراءة

محتويات المخطوطة…وكذلك لويس ماسينيون أو شتروتمان في فصلية الإسلام بألمانيا…

ماذا يلفت نظرنا في هذا النص بعد الاطلاع عليه بعمق؟

لقد اعتدنا في تاريخ علم الأديان أن نمرّ على مرحلتين عملاقتين من تاريخ الأديان في

الشرق الأوسط خاصة وفي العالم بأجمعه عامّةً هما المسيحية والإسلام. ولكن نادراً ما

كنّا ننظر لدراسة الحركات الفكرية الدينية المجاورة لها والتي أثّرت عليها أو تأثّرت

بها وواكبتها بالخفاء أحياناً وبالعلن أحياناً أخرى. وتنطبق هذه الحالة على المسيحية

كما تنطبق على الإسلام. بل وبشكل أوضح، إنّ بعض الحركات الدينية التي واكبت المسيحية

دون الالتزام بالفكرة الدينية الأساسية للمسيحية وأثّرت بها، هي ذاتها التي واكبت

الإسلام احياناً ولم تلتزم به. ويكاد أتباعها يتخطون العشرات من المذاهب والطرق ،

وكفانا أن نلقي نظرة حول كتابات عبد الكريم الشهرستاني وابن حزم الأندلسي لتتضح الفكرة

بشكل أوسع. وأغلب هذه الحركات الدينية زاوجت بين بعض أتباع الفكر الديني المسيحي وأفكار

أتباع الفلاسفة من الأفلاطونية الجديدة والأرستوقراطية الحديدة وأتباع فيثاغورث واتباع

ماني والزارادشتية وأفكار فلاسفة الهند، ثمّ تابعت مسيرتها وتطورها تحت ظلّ الدين

الجديد، الإسلام، وذلك تحت رايات ما تُسمى بالغنوسطية وبشكل عام متخذة الباطنية او

التقية طريقة لها…

ودون السعي في عرض المراجع التي تلفت نظرنا لتعزيز هذا الرأي، حيث أنّ عددها يتخطى

المئات، فسنكتفي هنا بنقل ما قاله كمال جنبلاط في كتاب: من أجل لبنان ص, 100 حيث يُعرّف

المذهب الدزي بقوله: ناهيك عن محتويات كتاب مختصر البيان في مجرى الزمان، لدى اتباع

مذهب الموحدين الدرزي، أو كتاب التعليم الذي يأخذ به بعض أتباع المذهب العلوي وكتاب

المعارِف، أو ضمن اشعار المكزون السنجاري. وكذلك رسائل إخوان الصفا عند الاسماعيلية،

إلخ

إذاً فالمذاهِب التي واكبت المسيحية في تاريخ قرونها الأولى، متأثّرة بأراء الفلاسفة

وبالكثير من الأفكار الدينية التي سبقت المسيحية أو التي تلتها، في بلاد الشام، لم تمت

بموت مدرسة آثينا عام 528 للميلاد، والتي كان أكبر عمالقتها من سورية كسيروس ودمسيوس

وأمونيوس…بل عادت أفكار تلك الحركات الدينية مع القرن الثامن للميلاد ـ الثاني

للهحرة، مع الدعوة الاسماعيلية أولا. وتمّ تفسيرها وتأويلها بأشكال مختلفة لدى بعض

المذاهب الاسلامية والتي تُعدُّ بالعشرات…

وإذا كان الباحثون في أوربا، بتاريخ الأديان، يحاولون فهم تلك الحركات الدينية، التي

واكبَت الكنيسة، منذ سيمون الساحر، أي في النصف الثاني من القرن الأوّل بعد الميلاد،

حتى نهاية مدرسة أثينا، فإنّ أكثر دراساتهم ستظلّ كفرضيات، إذا لم يتطلعوا وبعمق على

الآداب الدينية في بعض المذاهب الباطنية الاسلامية. حيث أنهم يحتفظون بالكثير من

الأفكاروالآداب الدينية التي ولِدت وانتشرت وتطوّرت في بلاد الشام مع المسيحية خلال

الفترة التاريخية التي تُسمّى بالعصر الهلنسي.

ومن جانبٍ آخر فإنّ الباحثين في الجامعات العربية تجاهلوا بشكل كلّي تلك الأفكار

والآداب الدينية خلال تلك الفترة الدينية، هذا بالرعم من تدريس اللعات القديمة من

سريانية وآرمية وعبرانية…ونحن مضطرون للعودة إلى ترجمات تلك الآداب الدينية للغات

الألمانية والفرنسية والانكليزية. بالرعم من أنه لدينا كافة الامكانيات لنقل مراجع تلك

الحركات الدينية إلى اللغة العربية، ونحن أحق الناس بمعرفتها، حيث تشكّل قبل كل شئ جزءً

من تاريخنا، لا تقلّ قيمتها عن ملحمة جيلكاميش أو قانون حمورابي، بل وأهم من ذلك فهي

منقولة من لغات حيّةٍ وبشكل خاص السريانية، أو الآرامية الجديدة، كهذا النص الذي بين

يدينا.

 

(( فصلٌ فيه تنبيه وهداية))

 

قال أفلاطون: النازلون على حصى ماء الفرات قد جازوا الأجسام الكثيفة إلى النوع البسيط

من العالم، بالاستعانة بحركة الأشخاص العلوية، فأدركوا ما هيّة حركتها التي هي أسرع

الحركات. فالواجب عليكم أن لا تعجزوا عن معرفة الأمور، يعني مراتب الوجود ومعرفة

حقائقها والترقّي إلى معرفة ماهيتها على ما هي به من الناس النازلين على مصبّ الفرات،

هم الكاينون والصابئون(1) العلماء بعلم الأفلاك ومعرفة قضاياها وما هو كائنٌ بها، وهم

أوّل من تكلّم في إخراج الضمير. فقال: هؤلاء الذين هم في أجسام كثيفة عكرة لحمانية،

الذي هو ثقل الطبيعة وكدرها(2) وصلوا إلى معرفة النفس البسيطة ووقفوا على حركاتها

وموادها التي هي أسرع الحركات وألطفها. حتى أنهم وقفوا على ما هو كائنٌ بحركة الأشخاص

العلوية(3) كذلك يجب على المتاجر في العلم أن يترقّى إلى أشرف المطالب التي تحمل

السعادة الخيّرة والنجاة ومعرفة ما تحصّل سببه. ثمّ قال: بالنفساني يُعرف الطبيعي (4)

كما أنّ بالعقل تُعرف النفس(5) أمّا دور العقل فمنع الطبيعة عن الحولان فيه، فضلاً عن

الإحاطة به. وهذا القول قد جكم فيه الحكيم علّة البدء والانقضاء وماهيّة ذلك الشئ الذي

من أجله كان

ت الأشياء. هو الإله الذي يرى وأنّ بإرادته (خلق) الذي هو الحجاب. وبإرادة العقل كانت

النفس البسيطة الذي هو الباب حقّاً. ومن النفس التي هي الباب كانت الطبائع المُفردة

وهم الأشخاص العالية التي تولّدت منهم الطبائع المركّبة. ويرون أنه لا يُعرف الشئ إلاّ

بما هو فوقه, والنفس فوق الطبيعة وبها تُعرَفُ الطبيعة؟ والعقل فوق النفس، وبه تُعرَث

النفس. ويعرف العقلُ الموجودات بالإله الذي جلّت قدرته، الفرد الذي بان استحالة الوقوف

على ماهيته. إذا كان قد تقدّم القول أنه لا يُعرف الشئ إلا بما فوقه…فإذا كان أرفع

ما فينا العقل, والله تعالى وتقدّس فوق العقل، فالواجب أن لا تقف على ماهيته إلاّ

بالاعتقاد(6)

وجود معرفة الاستدلال وما كان موجوداً من إخراجه، جلّ ثناؤه، بالإحاطة بمعرفة ماهيّته.

وقال أفلاطون: إليّ تجلّت السموات الثلاث: سماء الطبيعة المركّبة وسماء الطبيعة

المنفردة وسماء النفس. فلم أجد هناك مسلكاً، وجذبتُ الطبيعة فانجذبتْ. وقال: والنفس

أعون للطبيعة من العقل، كما أنّ النفس أُعدّت من أجل العقل. فالنفس بالطبيعة أولى لقرب

المشاكلة. فالواجب أن تعرف الطبيعة بالنفس(7) كما يجب أن تُعرفُ النفس بالعقل. ولذلك

جعل الإنسان الشهوة للطعام…ولتكن للروح الطبيعية حقّها مما قوامها بهِ، وانشغالها عن

التعب في طلب الآراء ودواعي الهوى. فانفردت النفس القدسية لطلب مبادئها واشتاقت إلى

عالمها بسبب غفلة الروح الطبيعية وانشغالها بتدبير الآية(؟) ولذلك جُعل الاجتماع

والمذاكرة والأكل والشرب لتقوّي الأجسام، ويجوز بعدهم البحث عن حقائق الأمور، وتكون

ملكٌ للانصراف عن الأبدان عند الانقطاع إلى ذكر الإله والبحث عن سرائر عوالمه والتوحيد

إلى مراتب قدسيته والسلوك في مراتب أنواره على الترتيب الآتي بالتوصّل إلى معرفته

ومعرفة أشخاص كل مرتبة من عالم الأنوار وعالم التجريد، فيحصل للبدن اشتغال بما يلائمه

وللنفس اشتغال بما يخضّها. فيحصل للنفس بكثرة المذاكرة والتشوّق إلى عالمها مناسبة

مشوقة، فتشرق عل

يها بوارق النور وبهجت العزّة والجلال، فتكثر عندها المواهب القدسية والمعارف

الربّانية، فيعمّ نفعها وتزداد بهجتها وسرورها ونورانيتها، وتستعدّ لقبول السعادة

الأبدية والخير الذي لا ينقطع والشكر الدائم الذي لايمتنع، فيسهل حيتئذٍ الحلاص من

أسرار الطبيعة، وقيل الشهوة (8).

فصل يؤيد ما تقدّم وينبّه على الفضيلة.

قول أفلاطون: ولكن من القضايا المعقولة التي تكون عن مقدّمات برهانية، السبب الأوّل

للكون الثاني هو الإله، الذي لا يلحقه تعبٌ من لغوب(9) الكون من إرادة بعلم ذلك. فتسبب

له بسيط الرأي على المراتب العقلية البرهانية. وذلك أنّ الحكماء نهت أن يُقال قديم،

لأنّ القِدم في الزمان وبالزمان، ونهوا أيضاً أن يُقال له عليم، إنّ هذه الصفة تلحق

بالطبيعيين ومن يجوز عليه الجهل، وكان مرادهم أيضاً نفي هذه الصفات، أن لا يُتوهم شئ مع

الإله البتة. بل مجرّدٌ قائم بذاته منزّه عن النعوت والصفات.

وقال: أمّا إثباته فيما أمكن عندي، وكما يحوز، وأمّا المعرفة من حيث هو، فمحال (على)

النفساني العقلي. فدع المركّب للطبيعة، فالإله تعالى الأول، لا يليق به شئ من الصفات

المعقولة. فأمّا العقل فالاستحقاق علم التكوين جازأن يُنسَبَ إليه الفعل والإرادة

المعقولة. إنّ الإرادة من العلّة الأولى غير معقولة، إذ هي عين هذه الإرادة من فوق

العقل. واجبٌ منه الإدراك(؟) والادراك لا يكون بالحركة المعقولة إلى الحركة التي تكون

من الأجسام المحسوسة, فإذاً قد تبيّنت الحركة المعقولة وجاز من العقل الاتصال بما استحق

من اسم التكوين، وكانت الحركة من الصفات، والصفات لا تكون إلاّ جوهراً

جاز إثبات ما قدّمنا، كون الجوهر المتحرّك، وهو النفس البسيطة. والنفس حاملٌ للعقل.

والعقل لا يُدرك إلاّ الأشياء التي منه، والنفس ما ترى، قررت الإدراك. والقدرة من صفات

العقل والنفس، فالنفس تحوي الصنفين، أعني الإدراك والقدرة(والعقل) لا تجوز عليه هذه

الصفات. فالنفس التي هي أجلّ من العقل محسوسة بل معقولة. فإذا حَقق ما تقدّم من القول،

كيف لا يدرك اليسير مع ضعف القوي؟ والأقصى من العلم معرفة الإله بصورة يحملها تخطيط،

ويكون الإنسان مجرّد شهادة، وقد أحاط بالإله وحصره وميّزه وحده وعدّه وأثبت وجوده

وعاينه وأفرده عن العقل، وأفرد العقل عن النفس التي هي الباب.

وهذا هو الضلال واعتقاد الجهّال، أعوذ بالله من ذلك، أنّ العالم البشري كان (قبل) وجود

عالم الأنوار العالية. وبرهان ذلك واضح لا يحتاج إلى دليل عليه. لأنه تقدّم في الملك

والشرائع برهان ذلك، فلا يُحتاجُ إكثار القول فيه. فالعالم الأعلى وهو عالم النور أقدم

من البشرية عند الإله. وكرة الأرض جميعها وما حصرته العلماء وأقاموا البراهين

عليه،كالنقطة من السماء، وكل كوكبٍ من الكواكب أضعاف كرة الأرض أضعافاً كثيرة. وهذا مما

لا ينازع عليه أحد، لأنه كلمة اجتماع بالتفاف العلماء…….

توضيحات لما قد سبق

(1)على رأي المسعودي في (مروج الذهب، الجزء الثاني ص. 250، طبعة دار الفكر، بيروت 1973)

نقلاً عن أبي بكر الرازي، هم اليماريون والكينانيون. والله اعلم.

(2) هي أجسامنا العادية, وفي بعض المذاهب هنالك اعتقاد بالأجسام النفسانية في مرتبة

أعلى، ثمّ الأجسام النورانية وهي أعلى المراتب.

 

(3) هي النورانية.

(4) بالدرجة الأعلى يُعرف الأدنى.

(5) بمنظار أتباع الأفلاطونية الجديدة التي أكثر ما ترعرعت في بلاد الشام، العقل الكلّي

هو الذي خلق النفس الكلية بإرادة السبب الأوّل الذي هو الله.

 

(6) هذه الفكرة تتعارض مع أتباع الأفلاطونية الجديدة، الذين يعتقدون بأنّ معرفة الله

تكون عن طريق العقل. بينما يُخطّئهم الإمام الغزالي في تهافت الفلاسفة، فيرى أن معرفة

الله تكون بالاعتقاد، ومن هنا تأتي فكرة متداولة لدى المسلمين بأنه: لا يحول ولا يزول

ولا تدركه العقول.

 

(7) في مفهوم أتباع الأفلاطونية الجديدة وورثتهم من بين بعض المذاهب الإسلامية أنّ

النفس الكلية هي التي خلقت الطبيعة. وبما أنّ العقل هو الذي خلق النفس فهو أعلم بما

خلق. وكذلك النفس الكليّة التي خلقت الطبيعة فهي أعلم بها.

 

(8) هذه الفقرة تمثّل أتباع فيثاغورث أكثر ما تمثّل أتباع أفلاطون. فمن المعروف أنّ أول

مؤسس للمدارس الباطنية كان فيثاغورث من القرن السابع قبل الميلاد. وكان يأمر تلاميذه

بالمطالعة ورياضة العقل في الفترة الصباحية، وبالرياضة الجسمانية والفن في فترة بعد

الظهر. وحين كانوا يتخطّون جميع درجات المعرفة كانوا يصلون إلى ما يُسمّى بدرجة

الإباحة، وهي عدم الشعور بالحاجة إلى الشهوات الجسدية. (راجع حول موضوع فيثاغورث، موفّق

الدين ابن أبي أُصيبعة في، طبقات الأطباء، الصفحات 61-71، طبعة دار الحياة، بيروت غياب

تاريخ سنة الطباعة. وراجع مقالات فيثاغورث في الموسوعة الاسلامية والبريطانية وغيرهما.

(9) لغوب جمع لغب وتعني التعب.

 

أرسلت في الثلاثاء 24 نوفمبر 2009

من ابو شمس المحسن

مبتغي الحكمة راغب في النور عارف بروح الحياة ( مؤسس شبكة ومنتدى الحكمة)

Show Buttons
Hide Buttons