عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة .. الحلقة الثانية

العلاقة مع عِلم التنجيم الغربي

“الكلاتشاكرا تانترا” هي مصدر الحسابات لمعظم خصائص التقويميْنِ التبتي والمنغولي. ومواقع الأجسام السماوية في التقويم الفلكي، ومعظم العوامل في الروزنامة، مثل أيام التفاؤل وأيام التشاؤم. وقد ازدهرت تعاليم الكلاتشاكرا في الهند قبل انتشارها في التبت وبعدها إلى منغوليا، لذا فهي تشترك في كثير من الجوانب مع الأنظمة الفلكية الهندوسية. كما أن عِلم التنجيم الهندوسي مع عديدٍ من جوانب الثقافة الهندية القديمة يشتركون في كثير من الجوانب مع الثقافة اليونانية القديمة؛ وذلك لأن كِلتا الحضارتيْنِ كانتا على تواصل قريب، خاصةً من عهد الإسكندر الكبير. فدعونا إذًا ننظر أولاً إلى بعضٍ من هذه الخصائص المشترَكة، فعِلم التنجيم الغربي يشترك في الجوانب نفسها كذلك؛ لأنه ينبع من التقليد اليوناني القديم.

 

في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي نحسُب مواقع الكواكب وصولاً إلى زُحَل، وليس الكواكب العابرة لزحل، ونُسمِّي أيام الأسبوع على اسم الأجرام السماوية، مثل الأحد (Sunday) على اسم الشمس (sun)، والاثنيْن (Monday) على اسم القمر (moon). ولأن الكواكب الأبعد من زُحَل لا تُرى بالعين المجردة فلم يكن العالم القديم مُدركًا لها، كما أن هناك تقسيمَ لوحة الأبراج إلى اثنتيْ عشرة علامة، تحمل جميعها الأسماء نفسها الواردة في النظاميْنِ: اليوناني والهندوسي الهندي. تلك هي الأسماء نفسها التي يستخدمها نظامنا الغربي الحديث، مثل: برج الحمل وبرج الثور، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فهناك التقسيم إلى اثني عشر منزلاً، يختلف القليل منها نوعًا ما؛ من حيث التفسيرات مع ما يماثلها من عِلم التنجيم الغربي، كما هي الحال في الأبراج الغربية، فكلُّ جِرْمٍ سماوي هو علامة ومنزل، وهو دمجٌ يؤثِّر على معنى ذلك الجرم وأهميته في الخريطة الفلكية.

العلامات والمنازل

بالنسبة لمن يعرف الكثير عن عِلم التنجيم، فدعوني أشرح لكم بإيجاز ما المقصود بالعلامات والمنازل، وكِلاهما يتعلَّقان بالخصائص الفلكية.

إذا نظرتم إلى السماء تلاحظون أن الشمس والقمر والكواكب – فلْنُسمِّها أجرامًا سَماوية – تتحرَّك جميعها في مجموعة مُعيَّنة من الشرق إلى الغرب. وفي الأزمنة القديمة لم يُؤمن الناس بأن الأرض تدور، بل اعتقدوا أن السماء والأجرام السماوية تدور حول الأرض، كما أنهم تصوَّروا أن المجموعة السماوية التي تتحرَّك الأجرام السماوية خلالها – أي مسير الشمس – تُشبه عجلة عملاقة، تتَّجه عكس عقارب الساعة ببطءٍ شديد، ونِصْفُ العجلة تحت الأرض. وإذا استعنَّا بمثالٍ حديث يكون منظورنا أشبه بشخصٍ يقف في وسط عجلة مَلاهٍ عملاقة تتحرَّك ببطءٍ شديد؛ نصفها فوقنا، ونصفها الآخر تحتنا.

وإذا نظرتم إلى هذه المجموعة السماوية على أنها عجلة مَلاهٍ عملاقة تتحرَّك ببطء يمكنكم تقسيم العجلة إلى اثنيْ عشر جزءًا؛ ستة منها فقط تكون ظاهرةً في أي وقتٍ في السماء. وفي كلٍّ من هذه الأجزاء في عجلة الملاهي العملاقة هناك مجموعة بارزة من النجوم، مثل مقاعد عجلة الملاهي العملاقة. ومجموعة النجوم هذه عبارة عن اثنتيْ عشرة علامة على الخريطة الفلكية.

والآن تصوَّروا أن عجلة الملاهِي العملاقة تتحرَّك ببطء داخل مبنًى على شكل كرة عملاقة، وإذا قسَّمْتم المجموعة على طول الحائط الداخلي من الكُرة التي تتحرك فيها عجلة الملاهي العملاقة إلى اثنيْ عشر قسمًا، تكون تلك الأقسام هي الاثنيْ عشر منزلاً، وهي لا تتحرك. وبذلك يكون قسم مجموعة الكرة العملاقة الذي يتحرَّك نحو الأسفل من شرقنا مباشرةً إلى سُدس المسافة حتى الغرب المباشر هو المنزل الأول. أمَّا السدس التالي فهو المنزل الثاني، وهَلُمَّ جَرًّا. في حين أن المنازل الستة الأولى تكون تحتنا – أي تحت الأفق – والمنازل الستة الأخيرة فوقنا. تصوَّروا أن المقعد الأول، وهو برج الحَمَل، يجاور النقطة الواقعة على الجدار الداخلي للكرة العملاقة، مباشرةً في الجهة الشرقية منَّا – الطالع. وتتحرَّك عجلة الملاهي العملاقة ببطءٍ شديد لدرجة أنها تستغرق معها شهرًا لتصل إلى المقعد التالي، وهو برج الثور. وعندما يعود مقعد برج الحمل إلى تلك النقطة على الجدار تكون سَنة كاملة قد مرَّت.

والآن تصوَّروا أن عجلة الملاهي العملاقة، التي تتحرك ببطءٍ عكس عقارب الساعة داخل بناءٍ كُرويٍّ، لها شكل إطارٍ فارغ، وأن هناك تسع كرات تدور داخلها باتجاه عقارب الساعة، كلٌّ منها بسرعة مختلفة، والكرات التسع هي الأجرام السماوية، وتدور كُرة الشمس داخل الإطار في يومٍ واحد، ويستغرق الأمر شهرًا كاملاً لكُرة القمر حتى تُكمل دورتها، وهلمَّ جَرًّا. وهكذا، وفي أي وقتٍ محدد، يقع أحد الأجرام السماوية في علامةٍ معينة وفي منزلٍ معين، ويتغير هذا الموقع باستمرار. وتُشبه خريطة الأبراج صورةً مأخوذةً في لحظةٍ معينة، مثل لحظة ولادة شخصٍ ما، تُزهر موقع كل جِرمٍ سماوي يدور ضمن مجموعة الخريطة الفلكية التي تتحرَّك ببطء في قسمٍ مُعيَّن في السماء، سواء أكان ذلك فوق الرأس أم تحت الأرض.

وهذا النظام من الأجرام السماوية والعلامات والمنازل هو نفسه في الأنظمة التنجيمية التبتية-المنغولية، والهندوسية الهندية واليونانية القديمة والغربية الحديثة. لكن، وبخلاف الأخيريْنِ، يقسمُ النظامان الهندي والتبتي-المنغولي كذلك عجلة الملاهي العملاقة لمسير الشمس إلى خريطة فلكية ثانية مُؤلَّفة من سبعٍ وعشرين علامة. وأحيانًا يضعون سبعة وعشرين مقعدًا على عجلة الملاهي العملاقة عِوضًا عن اثنيْ عشر فقط. ويستخدمون الخريطة الفلكية المؤلَّفة من سبعٍ وعشرين علامة أساسًا لحسابات التقويم السنوي والتقويم الفلكي والروزنامة، والتقويم المؤلَّف مِنِ اثنتيْ عشرة علامة بشكلٍ أولي للأبراج.

النجم الثابت وخريطة الأبراج الفلكية

يشترك النظامان الهندي والتبتي-المنغولي بخاصية أخرى تتعلَّق بالخريطة الفلكية، وتختلف بشكلٍ كبير عن النظاميْنِ: اليوناني القديم والغربي الحديث؛ إذ إنهما يستعينان بالنجم الثابت أو خريطة الأبراج الفلكية، في حين يستعين الأخيران بالخريطة الفلكية المدارية. وما حدث بالفعل هو انتقاد الكلاتشاكرا لاستخدام أنظمة التنجيم الهندوسية الهندية لخريطة الأبراج الفلكية ذات النجم الثابت، ومن ناحية أخرى أيَّدوا النظام المَداري. ولكن نبذ التبتيون هذه الخاصية حينما تبنَّوْا نظام خريطة الأبراج الفلكية في الكلاتشاكرا، وعادوا إلى استخدام نظام النجم الثابت، رغم أنه يختلف عن كل الأنظمة الهندوسية الهندية.

وعِوضًا عن شرح التفاصيل المرتبطة بالفروق حول الخرائط الفلكية بين الأنظمة التبتية-المنغولية والكلاتشاكرا والهندوسية الهندية، ويكفي أن نشرح الفرق العام بين الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت والمدارية من حيث الخريطة الفلكية المقسَّمة إلى اثنتي عشرة علامةً، التي تشترك بها كل الأنظمة الأربعة. فالفرق يكون من وضع الأنظمة للمقاعد الاثنيْ عشر على عجلة الملاهي العملاقة، وهل هذه المقاعد تحافظ على ثباتها أم تتحرك ببطءٍ شديد.

تصوَّروا أن عجلة الملاهي العملاقة نفسها مُقسَّمة إلى اثني عشر قسمًا، كُلُّ قسم يحمل اسم علامة واحدة من العلامات. كذلك كل مقعد يحمل اسم علامة واحدة من العلامات. ويضع النظامان التبتي-المنغولي والهندي المقاعد الاثني عشر في المواقع نفسها على عجلة الملاهي العملاقة؛ حيث تبدأ الأقسام التي تحمل الاسم نفسه. ويقع مقعد برج الحمل في بداية قسم برج الحَمَل على عجلة الملاهي العملاقة، ولا يتحرَّك أبدًا من ذلك الموقع. لذلك يستعين عِلم التنجيم التبتي-المنغولي والهندي بخريطة الأبراج الفلكية للنجم الثابت.

يضع النظامان: اليوناني القديم والغربي الحديث مقاعد برج الحَمَل في أي موقع كان على عجلة الملاهي العملاقة؛ بحيث يكون موقع كرة الشمس في اللحظة نفسها من الاعتدال الربيعي في الهند هو لحظة تساوي الليل بالنهار في الطول. ولأن الشمس تعبر مباشرةً فوق الرأس في ذلك اليوم في مدار السرطان يُدعى هذا الوضع للعلامات في السماء: خريطة أبراجٍ فلكية مدارية.

ولغرض مناقشتنا دعونا الآن نترك الاعتبار الخاص بالنظام اليوناني القديم. ففي عام ٢٩٠ م تقريبًا كانت نقطة الاعتدال تقع في بداية قسم برج الحمل من عجلة الملاهي كما هو ملحوظ في السماء. ومنذ ذلك الوقت وهي تزحف نحو الخلف ببطءٍ شديد، بمعدل درجة تقريبًا في كل اثنتين وسبعين سنة، وتُعرف هذه الظاهرة ببدارية الاعتدال. ويرجع التباين بين الموقع الملحوظ بين برج الحمل بدرجات الصفر وموقع برج الحمل بدرجات الصفر المعروف؛ من حيث الاعتدال الربيعي إلى الحقيقة، التي تقضي أن المحور القطبي للأرض يدور تدريجيًّا في وجهته إلى النجوم “الثابتة” في فترة دوران مدتها ٢٦٠٠٠ سنة.

تقع نقطة الاعتدال حاليًّا ثلاثًا وعشرين درجة تقريبًا في قسم برج الحوت من عجلة الملاهي العملاقة، مباشرةً خلف قسم برج الحَمَل. وهكذا يضع النظامان اليوناني القديم والغربي الحديث مقعد برج الحمل حاليًّا بين سِتٍّ وسبع درجات في قسم برج الحوت من عجلة الملاهي العملاقة. وفي كل سنة تتحرَّك المقاعد نحو الخلف مسافة صغيرة، وهي تُشير إلى مواقع الأجرام السماوية حَسَب الخريطة الفلكية المَعروفة بالمقاعد، في حين يُشير النظامان التبتي-المنغولي والهندي إلى مواقعهما حسَب الخريطة الفلكية المُعرفة بعجلة الملاهي العملاقة نفسها. وبذلك يُعَدُّ الكوكب الواقع على الدرجة صفر لبرج الحمل من الخريطة الفلكية المدارية واقعًا على الدرجة بين ست وسبع لبرج الحوت من الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت، وبكلمات أخرى ينقص الموقع المداري بثلاثٍ وعشرين درجة.

تكشف مراقبة السماء أن برج الحمل بدرجات الصفر في النظام الغربي يعكس في الحقيقة الموقع المراقَب لبداية مجموعة نجوم برج الحمل سالب عامل البدارية من اثنتين وعشرين وأربع وعشرين درجة. وبما أن النظاميْنِ التبتي-المنغولي والهندي التقليديين لا يعتمدان أبدًا على المراقبة التجريبية لحساب عامل البدارية، ولكنهما يَستمِدَّان مواقع الأجرام السماوية – حَصرًا – من الأنماط الرياضية، فلم يكن من المهم كثيرًا عدم تماثُل المواقع المحسوبة مع المواقع المراقَبة، ولم يكن علماء التنجيم الهنود والتبتيون والمنغوليون التقليديون مُهتمِّين بتأكيد حساباتهم من خلال النظر إلى السماء.

المواقع المراقَبة والمحسوبة للكواكب

عرفت الهند مراصد المراقبة الفلكية بادئ الأمر في القرن السابع عبر الفاتحين المنغوليين، الذين تعلَّموا بناءها من العرب. وقد اختلفت المواقع المراقَبة للأجرام السماوية بشكلٍ كبير عن المواقع المحسوبة تقليديًّا. حتى لو أضاف الهنود ثلاثًا وعشرين درجة إلى المواقع المحسوبة فقد استمرَّت أنماطهم الحسابية في عدم تقديم نتائج دقيقة. وعندما تَعلَّم علماء التنجيم الهنود في ظل الحكم البريطاني في القرن التالي المعادلات الأوربِّيَّة لحساب المواقع الكوكبية، ورأوا أنها أعطت نتائج أكدتها المراقَبة، قرر معظمهم ترك نظام الحسابات الهندوسي التقليدي والتقويمات الفلكية الناشئة عنه، وتبنَّى المصلِحون في سعيهم المواقع المراقَبة والمحسوبة من خلال الرياضيات الغربية، إذا طرحوا ببساطة ثلاثًا وعشرين درجة لترجمتها إلى الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت.

ويشهد عِلم التنجيم التبتي-المنغولي حاليًّا أزمة مشابهة كتلك التي حدثت قبل عدة قرون مع عِلم التنجيم الهندوسي الهندي. وبما أن عُلماء التنجيم التبتيين والمنغوليين أصبحوا مُلمِّين بالنظاميْنِ الغربي والهندي فقد أدركوا أنه رغم أن المعادلات الرياضية للكلاتشاكرا تعطي مواقع للأجرام السماوية، التي تختلف عن تلك التي نشأت في الأنظمة الهندوسية الكلاسيكية، فإنها تستمر في عدم تقديمها صورةً دقيقةً تتماثل مع المراقَبة. وتبقى المسألة الكبيرة في إمكانية أو عدم إمكانية التخلي عن الرياضيات التقليدية، واتِّبَاع مثال المُصلِحين الهندوس، من خلال تبنِّي مواقع الخريطة الفلكية الغربية التي كُيِّفَت لمدارية الاعتدال. ولكل خيار إيجابيات وسلبيات. حتى في يومنا هذا لا يزال الجدل قائمًا بين عُلماء التنجيم الهندوس الهنود.

العلاقة مع الكارما

التعاليم البوذية واضحةٌ جِدًّا في أن عِلم التنجيم لا يتحدَّث عن بعض التأثير القادم من الآلهة في حياتنا، الذين يعيشون في الأجرام السماوية، والذين يتسببون في حدوث كثير من الأمور من خلال قواهم. ولا يتحدَّث عن أن الأجرام السماوية نفسها تُصدِر تأثيرًا فِعليًّا، فمثل هذه الأمور مستحيلة. بل إن البوذية تؤكِّد على أنَّ مواقع الأجرام السماوية في بُرجٍ ما هي مجرد مِرآةٍ لجزءٍ من الإمكانات الكارمية التي يُولَدُ معها المرءُ.

وتعكس عدة مرايا أجزاءً من إمكاناتنا الكارمية، ويكون ذلك على هيئة أنماط. ويمكننا رؤية هذه الأنماط بصورة الأجرام السماوية عند ولادتنا، وكذلك من خلال تركيباتنا الجينية وشخصياتنا وسلوكنا وحياتنا بشكلٍ عامٍّ. وبالنسبة لأي شخص تُعَدُّ كل هذه الأنماط متزامنة. وبكلمات أخرى فجميعها تحدُث في رُزمةٍ واحدة نتيجةً لقوى الكارما المتراكمة من حيواتٍ سابقة. من وجهة النظر هذه لا يَهُمُّ تماثُل المواقع المحسوبة للأجرام السماوية مع ما يُراقَب في السماء. وبذلك فاتخاذ القرار حول إمكانية أو عدم إمكانية الحفاظ على مواقع الأجرام السماوية المحسوبة، من خلال معادلات الكلاتشاكرا التقليدية، أو تَبنِّي المواقع المراقَبة المُتَّفَق عليها في الغرب وتعديل مدارية الاعتدال، ليس مسألةً سهلة، فهو أمر يأخذ جهدًا كبيرًا في البحث والتحليل؛ لتحديد الخيار الذي يُقدِّم معلومات فلكية تتماثل بصورةً أكثر دِقَّة مع حياة الناس.

الأبراج التنبُّئِية

إحدى الموادِّ التي يجب بحثها هي الأبراج التنبئية، التي تتنبَّأ بما قد يحدُث في الغالب خلال فترات مختلفة من حياة الشخص، مثل برج الولادة والتقويم الفلكي. ويشمل الأمر تسعة أجرام سماوية: الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، وما ندعوه في الغرب “العُقدتينِ القَمريِّتينِ: الشمالية والجنوبية”. ودعونا نرجع إلى مثال عجلة الملاهي العملاقة التي على شكل إطار، مع تمثيل الشمس والقمر كُرتيْنِ تدوران حول الدرب الداخلي للإطار. يصف هذا مدارَيِ الشمس والقمر، والمداران ليسا متوازييْنِ تمامًا، بل إنهما يتقاطعان في الجانبيْنِ المُتقابليْنِ من الإطار، ونقطتا الالتقاء هما العقدتانِ الشمالية والجنوبية للقمر. وعندما تقع الشمس على إحدى النقطتيْنِ، ويقع القمر على النقطة الأخرى تمامًا، يحدُث الخسوف القمري. ويحدُث الكسوف الشمسي عندما تلتقي الشمس والقمر في أيٍّ من نقطتي الالتقاء. تتناول معظم أنظمة الفلك والتنجيم القديمة العقدتيْنِ القمريتيْنِ على أنها أجرامٌ سماوية، وتدعوها البوذية راهو وكالاغني، في حين تُسمِّيها الأنظمة الهندوسية راهو وكيتو؛ إذ يُعَدَّان الجُرميْنِ السماوييْنِ: الثامن والتاسع.

يَحسُب عِلم التنجيم التنبُّئي التبتي-المنغولي الفترة الحياتية المُتوقَّعة للشخص. وبعدها يَقْسِم فترة الحياة إلى فترات، يَحكُم كلاًّ منها أحدُ الأجرام السماوية التسعة في ترتيبٍ ثابت، وكل جرم سماوي يحكم لفترة معينة – نسبة معينة من فترة الحياة – حسَب حِصَّة ثابتة، وتختلف نسبة كل فترة عن الأخرى. وأنتم تحسُبون الجرم الذي يحكم الفترة الأولى من حياة الشخص، ومن خلال حساب نسبة فترة الحياة التي يحكمها ذاك الجرم تَستمدُّون طول الفترة الأولى. ويمكنكم تقسيم كلِّ فترة إلى فترات فَرعية من الحياة من خلال الحصص نفسها، والمتابعة في التقسيم إلى فروع ثانوية، ومن خلال مقارنة مُدد الفترات في خريطة الولادة للأجرام السماوية التي تحكم فترة معينة والتي تحكم فترة فرعية، وتقسيم الفترة الفرعية، تَستمِدُّون تفسير توقُّع حدوث شيءٍ ما لشخصٍ ما خلال ذلك الوقت.

تشبه الأنظمة الهندوسية الهندية لعِلم التنجيم التنبُّئِي النظامَ التبتي-المنغولي، ولكنها تختلف بشكلٍ كبير في عِدَّة أوجه. فالأنظمة الهندوسية لا تحسُب فترة الحياة. وتحكم الأجرام السماوية التسعة بالترتيب الثابت والحصص نفسها، كما هي الحال في النظام التبتي-المنغولي، ولكن على كل حال، فإن الفترات التي تحكمها الأجرام التسعة يصل عددها إلى ١٢٠ سنة. وهكذا، إذا كانت النسبة التي يحكمها أحد الأجرام السماوية هي ١٠ ٪ فسيحكم اثنتي عشرة سنة في حياة كل شخص. والفرق الوحيد بين خرائط الناس يكون مع بداية السنوات الاثنتيْ عشرة في حياة الشخص. ومعظم الناس يُتوفَّوْن قبل بلوغ سن الـ١٢٠ سنة، وبالتالي فإن تلك المرحلة قد لا تحدُث قبل موتهم. وفي النظام التبتي-المنغولي تحدث كل الفترات التسع في فترة حياة كل شخص، وإذا كانت النسبة التي يحكمها أحد الأجرام السماوية هي ١٠ ٪، وفترة الحياة لا تتجاوز الـ٦٠ عامًا، تكون فترة الجرم السماوي ست سنوات فقط.

 

الحسابات السوداء وعِلم التنجيم الصيني

 

 

إن الحسابات السوداء في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي، التي نشأت من الأنظمة الصينية، تُضيف عِدَّة مُتغيِّرات أخرى إلى عِلم التنجيم التنبُّئي. ويأتي أحد الجوانب من حلقات الحيوانات الاثني عشر: الفأر والخنزير والقرد، وما إلى ذلك. ومن العناصر الخمسة: التراب والماء والنار والخشب والحديد. وعند دمجها تُشكِّل سِتِّين تركيبة، مثل الحصان الحديدي أو النمر الخشبي في المتغير التبتي. يَستبْدِل التقليد المنغولي أسماء العناصر بأسماء الألوان المرتبطة بها، مثل الحصان الأسود أو النمر الأزرق، وتحتوي خرائط الولادة على تركيبات للسَّنة والشهر واليوم، وفترة الساعتيْنِ لوقتِ الولادة. ويمكنكم حساب تركيبة الحيوان-العنصر التي تحكم كُلَّ سنة في الحياة، من خلال مقارنتها بتركيبات الولادة، ويمكنكم أن تَستمِدُّوا معلومات تنبُّئية إضافية لتلك السنة.

تشمل الحسابات السوداء كذلك نظامًا من ثماني تريقرامات وتسعة أرقام لمربعات سحرية. والتريقرام عبارة عن دمج ثلاثة خطوط صلبة أو مكسورة، كما يظهر في الكتاب الكلاسيكي الصيني أي تشينغ (كتاب التغيرات). ونشأت أرقام المربعات السحرية هذه من مربع مُقسَّم إلى تسع خانات، كما هي الحال في لعبة “إكس أو”، وفي كل صندوق هناك رقم، من ١ : ٩، ومُرتَّب بطريقة تضيف ثلاثة أرقام بشكلٍ أفقي وعمودي ومائل، وتساوي دائمًا خمسة عشر. من التريقرام وعدد المربعات السحرية لسنة الولادة، يمكنكم حساب التريقرامات المتقدمة والعدد الخاصِّ بكل سَنة من الحياة، مما يعطي معلومات تنبُّئِية إضافية. وكلُّ المعلومات التي تنشأ من الحسابات البيضاء والسوداء تُربَط وتُفسَّر لإنتاج برجٍ تبتي-منغولي تنبُّئِي كامل. ولمزيدٍ من الدقة يمكنكم إضافة المعلومات البيضاء والسوداء من روزنامة أيام وساعات السَّعْد والشُّؤم. وعليكم أن تَزِنُوا كلَّ العوامل التي تؤثِّر على فترة معينة؛ لأنه من منظور متغيرٍ واحد يمكن ألا يكون مواتيًا. في النهاية فتفسيرات الخرائط في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي فَنٌّ مُعقَّد.

ألكسندر بيرزينميونخ، ألمانيا١٣ يونيه سنة ١٩٩٦ م

تابع ايظا

 

عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة الحلقة الاولى

عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة .. الحلقة الثانية

عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة .. الحلقة الثالثة

أرسلت في الأحد 06 يوليو 2014